لأن الذين خوطبوا بذلك. أهل حر في بلادهم، فحاجتهم إلى ما يقي الحر أكثر، عن عطا. على أن العرب تكتفي أحد الشيئين عن الآخر للعلم به، كما قال الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني (1) فكنى عن الشر، ولم يذكره، لأنه مدلول عليه، ذكره الفراء. * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * يعني دروع الحديد، تقيكم شدة الطعن والضرب، وتدفع عنكم سلاح أعدائكم * (كذلك) * أي: مثل ما جعل لكم هذه الأشياء، وأنعم بها عليكم * (يتم نعمته عليكم) * يريد نعمة الدنيا. ويدل عليه قوله * (لعلكم تسلمون) * قال ابن عباس: معناه لعلكم يا أهل مكة تعلمون أنه لا يقدر على هذا غيره. فتوحدوه، وتصدقوا رسوله. * (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين) * هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعناه: فإن أعرضوا عن الإيمان بك يا محمد، والقبول عنك، وعن التدبر، لما عددته في هذه السورة من النعم، وبينت فيها من الدلالات، فلا عتب عليك، ولا لوم، فإنما عليك البلاغ الظاهر. وقد بلغت كما أمرت، والبلاغ الاسم، والتبليغ المصدر، مثل الكلام والتكليم.
ثم أخبر سبحانه عن الكفار، فقال: * (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * أي:
يعرفون نعم الله تعالى عليهم، بما يجدونه من خلق نفوسهم، وإكمال عقولهم، وخلق أنواع المنافع التي ينتفعون بها لهم، ثم إنهم مع ذلك ينكرون تلك النعم، أن تكون من جهة الله تعالى خاصة، بل يضيفونها إلى الأوثان، ويشكرون الأوثان عليها، يقولون: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا، فيشركونهم معه فيها، وقيل: إن معناه يعرفون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من نعم الله سبحانه، ثم يكذبونه ويجحدونه، عن السدي * (وأكثرهم الكافرون) * إنما قال أكثرهم لأن منهم من لم تقم الحجة عليه، إذ لم يبلغ حد التكليف لصغره، أو كان ناقص العقل مأوفا، أو لم تبلغه الدعوة، فلا يقع عليه اسم الكفر.
وقيل: إنما ذكر الأكثر، لأنه علم سبحانه أن فيهم من يؤمن. وقيل: إنه من الخاص في الصيغة، العام في المعنى، عن الجبائي. وقريب منه قول الحسن،