أراد جميعهم الكافرون، وإنما عدل عن البعض، احتقارا له أن يذكره. وفي هذه الآية دلالة على فساد قول المجبرة، أنه ليس الله تعالى على الكافر نعمة، وأن جميع ما فعله بهم، إنما هو خذلان ونقمة، لأنه سبحانه نص في هذه الآية على خلاف قولهم. * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * يعني يوم القيامة، بيق سبحانه أنه يبعث فيه من كل أمة شهيدا، وهم الأنبياء والعدول من كل عصر، يشهدون على الناس بأعمالهم. وقال الصادق عليه السلام: لكل زمان وأمة إمام، تبعث كل أمة مع إمامها.
وفائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك، أن ذلك أهول في النفس، وأعظم في تصور الحال، وأشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملأ، مع جلالة الشهود وعدالتهم عند الله تعالى، ولأنهم إذا علموا أن العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق، فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي. وتقديره: واذكر يوم نبعث * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * أي: لا يؤذن لهم في الكلام والاعتذار، عن ابن عباس. كما قال: * (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) *. وقيل: معناه لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا. وقيل: معناه لا يسمع منهم العذر، يقال: أذنت له أي:
استمعت كما قال عدي بن زيد:
في سماع يأذن الشيخ له، وحديث مثل ماذي مشار (1) عن أبي مسلم * (ولا هم يستعتبون) * أي: لا يسترضون، ولا يستصلحون كما كان يفعل بهم في دار الدنيا، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ومعناه: لا يسألون أن يرضوا الله بالكف عن معصية يرتكبونها * (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب) * معناه: إذا رأى الذين أشركوا بالله تعالى النار * (فلا يخفف عنهم) * العذاب * (ولا هم ينظرون) * أي: لا يمهلون، ولا يؤخرون، بل عذابهم دائم في جميع الأوقات، فإن وقت التوبة والندم قد فات.
النظم: وجه اتصال قوله * (فإن تولوا) * بما قبله، أنه سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكرهم بهذه النعم، ويحتج عليهم بهذه الحجج، فإن أسلموا فذاك، وإن أعرضوا فلا شئ على الرسول، فإنما عليه البلاغ المبين فقط. ووجه اتصال الآية الأخيرة بما قبلها، وهي قوله: * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * أنها تتصل بقوله: * (فإنما عليك