نعمته، وأوضح لنا السبيل إلى جنته * (بل أكثرهم لا يعلمون) * يعني أن أكثر الناس وهم المشركون، لا يعلمون أن الحمد لي، وأن جميع النعمة مني. ثم ضرب سبحانه مثلا آخر، فقال: * (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ) * من الكلام لأنه لا يفهم، ولا يفهم عنه. وقيل: معناه لا يقدر أن يدبر أمر نفسه * (وهو كل على مولاه) * أي: ثقل ووبال على وليه الذي يتولى أمره * (أينما يوجهه لا يأت بخير) * معناه أنه لا منفعة لمولاه فيه، أينما يرسله في حاجة، لا يرجع بخير، ولا يهتدي إلى منفعة * (هل يستوي هو) * أي: هذا الأبكم الموصوف بهذه الصفة * (ومن يأمر بالعدل) * أي: ومن هو فصيح يأمر بالعدل والحق، ويدعو إلى الثواب والبر * (وهو على صراط مستقيم) * أي: على دين قويم، وطريق واضح فيما يأتي به، ويذر. والمراد أنهما لا يستويان قط، لأنه لا جواب لهذا الكلام، إلا النفي، وهذا كما قال: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *.
وقيل: في معنى هذا المثل أيضا قولان أحدهما أنه مثل ضربه الله تعالى فيمن يؤمل الخير من جهته، ومن لا يؤمل منه، وأصل الخير كله من الله تعالى، فكيف يستوي بينه وبين شئ سواه في العبادة؟ والآخر أنه مثل للكافر والمؤمن، فالأبكم الكافر، والذي يأمر بالعدل المؤمن، عن ابن عباس. وقيل: إن الأبكم أبي بن خلف، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن مظعون، عن عطاء. وقيل: إن الأبكم هاشم بن عمر بن الحارث القرشي، وكان قليل الخير، يعادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن مقاتل. ثم وصف سبحانه نفسه مؤكدا لما قدم ذكره من أوصاف الكمال، فقال:
* (ولله غيب السماوات والأرض) * ومعناه أنه المختص بعلم الغيب، وهو ما غاب عن جميع الخلائق، مما يصح أن يكون معلوما. قال الجبائي: ويمكن أن يكون المعنى: ولله ما غاب عنكم مما في السماوات والأرض. ثم قال: * (وما أمر الساعة) * في قدرته * (إلا كلمح البصر) * أي: كطرف العين. وقيل: كرد البصر. قال الزجاج: وما أمر إقامة الساعة في قدرته، إلا كلمح البصر أي: لا يتعذر عليه شئ * (أو هو أقرب) * من ذلك، وهو مبالغة في ضرب المثل به في السرعة، ودخول * (أو) * هنا لأحد أمرين: إما للإبانة على أنه على إحدى هاتين المنزلتين، وإما لشك المخاطب. وقيل: معناه بل هو أقرب * (إن الله على كل شئ قدير) * فهو قادر على إقامة الساعة، وعلى كل شئ يريده، لأن القدير مبالغة في صفة القادر.