وما عبدوهم من دون الله، لأمر الله، وانقادوا لحكمه يومئذ، عن قتادة. وقيل: معناه إن المشركين زال عنهم نخوة الجاهلية، وانقادوا قسرا لا اختيارا، واعترفوا بما كانوا ينكرونه من توحيد الله تعالى، * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * أي: بطل ما كانوا يأملونه ويتمنونه من الأماني الكاذبة من أن آلهتهم تشفع لهم، وتنفع * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * أي أعرضوا عن دين الله. وقيل: صدوا غيرهم عن اتباع الحق الذي هو سبيل الله. وقيل: صد المسلمين عن البيت الحرام، عن أبي مسلم. * (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * أي: عذبناهم على صدهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر. وقيل: زدناهم الأفاعي والعقارب في النار، لها أنياب كالنخل الطوال، عن ابن مسعود. وقيل: هي أنهار من صفر مذاب كالنار يعذبون بها، عن ابن عباس، ومقاتل. وقيل: زيدوا حياة كأمثال الفيلة، والبخت، وعقارب كالبغال الدلم، عن سعيد بن جبير.
* (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) * أي: من أمثالهم من البشر، ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم. ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي. وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره، وهو عدل عند الله تعالى، وهو قول الجبائي، وأكثر أهل العدل. وهذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا، وإن خالفوهم في أن ذلك العدل والحجة منه هو * (وجئنا بك) * يا محمد * (شهيدا على هؤلاء) * يريد على قومك وأمتك. وإنما أفرده بالذكر تشريفا له. وتم الكلام هاهنا.
ثم قال سبحانه: * (ونزلنا عليك الكتاب) * يعني القرآن * (تبيانا لكل شئ) * أي:
بيانا لكل أمر مشكل، ومعناه: ليبين كل شئ يحتاج إليه من أمور الشرع، فإنه ما من شئ يحتاج الخلق إليه في أمر من أمور دينهم، إلا وهو مبين في الكتاب، إما بالتنصيص عليه، أو بالإحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحجج القائمين مقامه، أو إجماع الأمة، فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفادا من القرآن * (وهدى ورحمة) * أي: ونزلنا عليك القرآن دلالة إلى الرشد، ونعمة على الخلق، لما فيه من الشرائع والأحكام، ولأنه يؤذي إلى نعم الآخرة.
* (وبشرى للمسلمين) * أي: بشارة لهم بالثواب الدائم، والنعيم المقيم * (إن الله يأمر بالعدل) * وهو الانصاف بين الخلق، والتعامل بالاعتدال الذي ليس فيه ميل، ولا