وأرسلناهم إلى أممهم كما أرسلناك إلى أمتك، وذلك أن مشركي مكة كانوا ينكرون أن يرسل إليهم بشر مثلهم، فبين سبحانه أنه لا يصلح أن يكون الرسل إلى الناس إلا من يشاهدونه، ويخاطبونه، ويفهمون عنه، وأنه لا وجه لاقتراحهم إرسال الملك.
* (فاسألوا أهل الذكر) * فيه أقوال أحدها: ان المعني بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم، سواء أكانوا مؤمنين، أو كفارا. وسمي العلم ذكرا، لأن الذكر منعقد بالعلم، فإن الذكر هو ضد السهو، فهو بمنزلة السبب المؤدي إلى العلم في ذكر الدليل، فحسن أن يقع موقعه، وينبئ عن معناه إذا تعلق به هذا التعلق، عن الرماني، والزجاج، والأزهري وثانيها: ان المراد بأهل الذكر أهل الكتاب، عن ابن عباس، ومجاهد، أي: فاسألوا أهل التوراة والإنجيل. * (إن كنتم لا تعلمون) * يخاطب مشركي مكة، وذلك أنهم كانوا يصدقون اليهود والنصارى فيما كانوا يخبرون به من كتبهم، لأنهم كانوا يكذبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشدة عداوتهم له وثالثها: ان المراد بهم أهل القرآن، لأن الذكر هو القرآن، عن ابن زيد.
ويقرب منه ما رواه جابر ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: نحن أهل الذكر، وقد سمى الله رسوله ذكرا في قوله * (ذكرا رسولا) * على أحد الوجهين.
وقوله: * (بالبينات والزبر) * العامل فيه قوله * (أرسلنا) *، والتقدير: وما أرسلنا بالبينات والزبر أي: بالبراهين والكتب إلا رجالا نوحي إليهم. وقيل: إن في الكلام إضمارا وحذفا، والتقدير: أرسلناهم بالبينات، كما قال الأعشى:
وليس مجيرا إن أتى الحي خائف ولا قائلا إلا هو المتعيبا (1) أي: أعني المتعيبا. ونظير الأول قول الشاعر:
نبأتهم عذبوا بالنار جارتهم، وهل يعذب إلا الله بالنار * (وأنزلنا إليك الذكر) * يعني القرآن * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * فيه من الأحكام، والشرائع، والدلائل على توحيد الله * (ولعلهم يتفكرون) * في ذلك فيعلموا أنه حق، وفي هذا دلالة على أن الله تعالى أراد من جميعهم التفكر والنظر المؤدي إلى المعرفة، بخلاف ما يقوله أهل الجبر.