ومنهم من يضع لنصرة مذهبه، ومنهم من يضع حسبة وترغيبا، ومنهم من أجاز وضع الأسانيد بكلام حسن، ومنهم من قصد التقرب إلى السلطان، ومنهم القصاص يروون أحاديث ترقق وتنفق (1) ا ه.
ولأن الكلام قد طال في هذا الأمر فإنا نكتفي بما أوردناه.
أما وضاع الحديث فكانوا كثيرين لا يحصيهم العدد وقد قالوا إن أشهرهم أربعة:
ابن أبي يحيى في المدينة، والواقدي في بغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد ابن سعيد بالشام (2).
وإليك مثلا واحدا من أمثلة الوضع للتقرب من الملوك والأمراء:
كان الرشيد يعجبه الحمام واللهو به، فأهدى إليه حمام وعنده أبو البختري القاضي (3) فقال: روى أبو هريرة عن النبي أنه قال: لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح - فزاد جناح، وهي لفظة وضعها للرشيد، فأعطاه جائزة سنية.
ولما خرج قال الرشيد والله لقد علمت أنه كذاب - وأمر بالحمام أن يذبح، فقيل:
وما ذنب الحمام؟ قال: من أجله كذب على رسول الله!
الوضع السياسي أو الوضع للسياسة ولا بد لنا قبل أن نختم هذا الفصل أن نكشف عن ناحية خطيرة من نواحي الوضع في الحديث كان لها أثر بعيد في الحياة الإسلامية، ولا يزال هذا الأثر يعمل عمله في الأفكار العفنة والعقول المتخلفة والنفوس المتعصبة، ذلك أن السياسة قد دخلت في هذا الأمر وأثرت فيه تأثيرا بالغا فسخرته ليؤيدها في حكمها، وجعلته من أقوى الدعائم لإقامة بنائها..
وقد علا موج هذا الوضع السياسي وطغى ماؤه في عهد معاوية الذي أعان عليه وساعده بنفوذه وماله، فلم يقف وضاع الحديث عند بيان فضله والإشادة بذكره