لما نقصت كتب الأحكام شيئا كثيرا، وأن ما عسى أن تنقصه يمكن أن يعرف حكمه من قواعد الشريعة الثابتة وأصولها القطعية، كقاعدة رفع الحرج والعسر، وإثبات اليسر وترجيحه، وقاعدة كون الأصل براءة الذمة، وكون الأصل في كل الخبائث والمضرات الحرمة، وفي كل الطيبات الحل، وكون الضرورات تبيح المحظورات وغير ذلك (1).
وقال وهو يبين أن بطلي الإسرائيليات وينبوعي الخرافات هما كعب الأحبار ووهب بن منبه:
" وما يدرينا أن كل الروايات - أو الموقوفة منها - ترجع إليهما، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يذكرون ما يسمع بعضهم من بعض ومن التابعين على سبيل الرواية والنقل، بل يذكرونه بالمناسبات من غير عزو غالبا، وكثير من التابعين كذلك، بل أكثر ما روى عن أبي هريرة من الأحاديث المرفوعة لم يسمعه منه صلى الله عليه وسلم، ولذلك روى أكثره عنه بالعنعنة أو بقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقله بلفظ سمعت رسول الله يقول كذا (2)، وقد روى عن بعض الصحابة وعن بعض التابعين وثبت أنه روى عن كعب الأحبار. ومن هنا نجزم بأن موقوفات الصحابة التي لا مجال فيها للاجتهاد والرأي لا يكون لها قوة المرفوع - كما قال المحدثون إلا إذا كانت ليست من قبيل الإسرائيليات (3).
هذه ترجمة مختصرة لأبي هريرة التزمنا فيها الناحية التقريرية ولم نسلك الطريقة التحليلة والموضوعية، التي لا تكمل التراجم الصحيحة إلا بها، ولا تتم دراسة الرجال والأحداث إلا باتباعها، ذلك بأننا لم نصل بعد إلى احتمال سطوتها، وبخاصة إذا كان الأمر يتصل بأحد الصحابة الذين قالوا فيهم " إنهم كلهم عدول " فلا يجوز لأحد