على ما ذهب إليه المرتضى (ره) من عدم الوجوب فيهما جميعا فلا مجال للخلاف إذ على هذا لا ريب في الاجزاء وعلى تقدير الخلاف فكلام العلامة (ره) مشتبه في كتبه أن الخلاف فيماذا فيفهم من بعض كتبه ظاهرا أن الخلاف في ارتفاع حدث الجنابة بذلك الغسل وعدم ارتفاعه مع صحته في نفسه وأجزائه عن الحدث المنوي ومن البعض الاخر أن الكلام في صحة هذا الغسل وإجزائه عن الحدث المنوي أيضا لا في إجزائه عن الجنابة فقط ويمكن أن يكون الاشكال في موضعين الأول في صحة هذا الغسل وإجزائه عن المنوي والثاني في إجزائه عن الجنابة بعد صحته في نفسه ولنفرض الكلام أولا في الموضع الأول فنقول الظاهر صحة هذا الغسل للامر به مطلقا من غير تقييد فيكون الاتيان به مجزيا وهو معنى الصحة وما يمكن أن يستدل به على خلافه كما يستنبط من كلام العلامة في كتبه فمدفوع وهو أن حد الجنابة أقوى من غيرها من أسباب الغسل ورفع الأدنى لا يستلزم رفع الأقوى وإذا لم يرتفع الجنابة لم يرتفع غيرها أيضا لان مع بقاء الأقوى لا يمكن ارتفاع الأضعف ووجه قوة الجنابة أن مع ارتفاعها يرتفع باقي الاحداث بخلاف ما عداها بدليل وجوب الوضوء بعد غسله دون غسلها وهذه الاستدلال ضعيف ومن وجوه أحدها ما علمت سابقا من عدم ثبوت هذه المقدمات التي يدعيها القوم من ثبوت الحدث وغيره مما مر وثانيها منع قوة الجنابة قولهم في بيانها مع ارتفاعها برافع باقي الاحداث نقول هذا إنما يستلزم قوة رافعها لا قوتها وهو ظاهر وفيه كلام آخر أيضا سيجئ في الموضع الثاني كما يستنبط من كلام العلامة في كتبه والقول بأنها إذا لم تكن قوية لم يكن رافعها قويا بل يكون كرافع ما عداها ممنوع وثالثها قولهم أن رفع الأدنى لا يستلزم رفع الأقوى إن أريد به ظاهره من عدم الاستلزام فممنوع لكن عدم الاستلزام لا يستلزم عدم ارتفاع الأقوى مطلقا إذ يجوز أن يرتفع الأقوى بارتفاع الأدنى في بعض المواضع وإن لم يكن لازما فحينئذ لا نسلم وضع المقدم في قولهم وإذا لم يترفع الجنابة فإن قيل إذا لم يستلزم رفع الأدنى رفع الأقوى يلزم عدم ارتفاع الأقوى فيما نحن بصدده إذ لا بد في ارتفاعه من دليل لأنه حكم شرعي لا يرتفع إلا بدليل ولا دليل ها هنا قلنا عدم الدليل ممنوع لان الأدلة الدالة على إجزائه عن الجنابة كما سنذكرها إنشاء الله تعالى دالة عليه وإن أريد عدم رفعه للأقوى مطلقا أو فيما نحن فيه فممنوع وسنذكر إنشاء الله تعالى في الموضع الثاني ما يمكن أن يستدل به على المقدمة؟
مع جوابه ورابعها منع قولهم مع بقاء الأقوى لا يمكن ارتفاع الأضعف ثم أن العلامة (ره) استشكل في المقام بعد أن قرب عدم الاجزاء في صورة انضمام الوضوء إلى ذلك الغسل فإن كان فرض كلامه (ره) في هذا الموضع فوجه الاستشكال إن هذا الغسل مع الوضوء لما كان مساويا لغسل الجنابة في رفع جميع الاحداث و استباحة الصلاة فيلزم أن يرتفع به الجنابة أيضا كمساويه ومع ارتفاعها لا إشكال في ارتفاع ما عداها أيضا وأن هذا الغسل بنفسه لما لم يرفع الجنابة كما بينا فلم ينفع انضمام الوضوء إليه لأنه لا دخل له في ارتفاع الجنابة أصلا بل إنما هو لارتفاع الحدث الأصغر وإذا لم يرتفع الجنابة فالحكم باق بحاله وإذ قد علمت الحال في هذا الموضع فلنشرع إلا أن في الموضع الثاني فنقول الظاهر أيضا تحقق التداخل في هذا الموضع أما على ما اخترناه من عدم وجوب الوضوء في الأغسال مطلقا فظاهر أما أولا فلما عرفت من عدم الخلاف على هذا القول وأما ثانيا فلصدق الامتثال وإطلاق الروايات المتقدمة وأما على المشهور فلثاني الوجهين وقد استدل المحقق الشيخ على (ره) في شرح القواعد بوجوه أخر ضعيفة يظهر ضعفها بالتأمل فيما ذكرناه ولم نذكرها مخافة التطويل فمن رامها فليراجعها وأما حجة النافين فهي إن غسل الجنابة أكمل من غيره من الأغسال وأقوى والأضعف لا يقوم مقام الأقوى فلا يكون هذا الغسل مجزيا عنه وأما بيان قوة غسل الجنابة فمن وجهين الأول إن حدث الجنابة أقوى من غيره لما تقدم فيكون الغسل الذي رافعه أقوى من غيره والثاني إن غسل الجنابة لما رفع جميع الاحداث صغيرها وكبيرها بدليل عدم الاحتياج إلى الوضوء يكون أقوى من غيرها مما لم يرفع الأصغر لاحتياجه إلى الوضوء وفيه نظر من وجوه أحدها عدم ثبوت هذه المعاني كما مر مرارا و ثانيها أنا لا نسلم أن ها هنا قياما لغير غسل الجنابة مقامه لان هذا الغسل غسل الجنابة أيضا لان غسل الجنابة ما يكون بالوجه الخاص بعد الجنابة للقربة وهذه الأوصاف متحققة فيه وأما قصد أنه غسل الجنابة صريحا فلا نسلم لزومه في تحققه وثالثها منع قوة غسل الجنابة وما ذكره في بيانه من الوجهين فاسد أما الأول فلمنع قولهم بارتفاعها يرتفع باقي الاحداث بخلاف ما عداها قولهم في بيانه بدليل وجوب الوضوء بعد غسله دون غسلها قلنا هذا لا يستلزم المطلوب لجواز أن لا يكون وجوب الوضوء لارتفاع الحدث الأصغر الباقي بعد ارتفاع الحدث الأكبر بل يكون لقوة هذه الاحداث بحيث لا يكفي في رفعها الغسل فقط بل لا بد فيه من الوضوء أيضا بخلاف الجنابة إذ يكفي في رفعها الغسل فقط لضعفها وقد يؤيد قوة الحيض بالنسبة إليها ما رواه الكافي في باب المرأة ترى الدم وهي جنب عن سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أو غسل الجنابة والحيض واحد فقال قد أتاها ما هو أعظم من ذلك وأما الثاني فلمثل ما ذكرنا أيضا لان الاحتياج إلى الوضوء لا يلزم من أن يكون للحدث الأصغر بل يجوز أن يكون لما تقدم ولو سلم أنه للحدث الأصغر فنقول لم لا يجوز أن يكون الأغسال متساوية في القوة لكن لما كان حدث الجنابة ضعيفا يقوى غسلها على رفعه مع رفع الحدث الأصغر بخلاف باقي الاحداث لأنها لقوتها لا يقوى غسلها على رفعها مع رفع الحدث الأصغر بل إنما يرفعها فقط ويحتاج إلى الوضوء لرفع الأصغر هذا ما يقال في هذا المقام