فلو لحزبه وأمته، شعبة من الحياء، لا يرفعوا رأسهم في سوء الأدب، غرق في الندم، ولا يبسطوا ألسنتهم بالسوء والفحشاء.
وليكذبوا بما آمنوا، وليؤمنوا بما كذبوا من قبل، بعد أن نشر الصبح راياته، وجلا الأمر عن حالاته، وشوهد ما سوله زمرهم، وعوين كيف عجرهم وبجرهم، وذهب حدهم هدرا، ولم يجد وردهم صدرا.
وبالجملة فكتاب الطحاوي هذا أجدى من تفاريق العصا، وكل الصيد في جوف الفرا، وطرزه في أبوابه أنه يذكر غالبا أخبار القول المضعف أولا وأخبار مختارة آخرا، وبعض الأسانيد في خبر، وإن كان فيها ضعف من وجه.
لكن احتجاجه لأرباب الأقوال، يكون بعد سرد جملة أسانيدها، وأكثرها.
فالضعف يزول بالمتابعات، وينجبر، ويشد بتعدد الطرق فيأتي صالحا، لان يقوم به الحجة أو الإسكات.
ولعله لم يكثر القول في الرجال إما لقليل جدواه لأنه ممكن الاخذ من مظانه ومأواه ككتب الرجال.
وإما لأنه من باب الاجتهاد في النقود ومباديها، ولكن وجهة هو موليها.
ولا يجب على المجتهد أن يقلد الاخر، وأكثر الرواة مختلف فيهم عمن تكلم فيه، والمجمع على ضعفه قليل ما هو.
وإما لأنه لم تمس له حاجة إلى هذا البحث، من حيث إنه يورد لمتن أسانيد طرقا غالبا، فبعد المضامة، لا يبقى كلام في قيام الحجة، إلا نادرا.
وعلى هذا فكتابه يفوق الصحاح كلها، بما لم من المزايا المذكورة، والمعالي المرضية المسطورة.
وأما بالنظر إلى المتن والسند، فملحق بالصحيحين، ومساهم مواز للسنن الأربعة من غير مرية ولا مين بل لو قيل بعلوه عليها، لم يبعد بالنظر، إليها لما تمالأت على شديدة الوهاء، وتظافرت في الأسانيد على كثير من المتروكين والكذابين من الضعفاء.
بل في سنن ابن ماجة، جملة من الموضوعات، وفى جامع الترمذي، شئ من الاخبار والمتروكات.
فلو علمتم ورواء القدام صفو المدام، لما بطرتم بتلك الذخائر، ولما زعمتم بضاعتنا مزجاة على هذه الأخاير، ولما جاء كتابه على هذا السياق، وأزرى بكل مصنف وفاق.
حسده الحساد، وأكثروا الكلام فيه والانتقاد، وانكب عليه شيوخ التحديث، من النقاد، وانصب عليه عبدة الظواهر، بسيوف مسلولة على العناد.
وطال الامر إلى أن جمع البيهقي كتابا ضخيما في الرد عليه، ثم جاء علاء الدين التركماني الحنفي، فتعقبه، ولم يترك شيئا في يديه، فسماه " بالجوهر النقي، في الرد على البيهقي ".
أما هذا الزمان فأين طوق الرد فيه أو الامتحان، وإنما حظا غلاظ البيان أو سلاطة اللسان.