فانظر في هذا، أية مرتبة تخرج من الافراط في إبعاد الجارح بمراحل، عن مظان الفهم والعقل.
ثم أظهر، ظهور الشمس في رابعة النهار وأبرز شينه الباهر، حتى كاد بنيانه على شفا جرف هار، كمثل شجرة خبيثة، اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
بل نادى بأندى صوت، على اعترافه بكذب نفسه، والله يحق الحق ويبطل الباطل، ويأتي إلا أن يتم نوره، وينطق المخالف بما يخالفه، ويكذبه بقوله، من حيث لا يدري.
فقد قال صاحب الدراسات: وأما قوله: سكتوا عن رأيه وحديثه، فأنت قد سمعت منه عدة من كبار السلف، مثل ابن المبارك، وهيثم، ووكيع، وغيرهم من الآخذين من حديثه وعد غيره مئين من العلماء، الآخذين منه.
وأما أخذ الرأي عنه فقد ملا الآفاق، على ما لا يحتاج إلى نقله، حتى لم نعرف في عدة أقاليم مذهبا غير مذهبه، فلا أدرى ما عدة الساكتين عن رأيه وحديثه، بالنسبة إلى الآخذين، إن هي إلا كقطرة في يم اه.
فهذا مقام الإمعان بعد تلك الزيادة المترقبة في ذلك الايمان أي مرتبة في تكذيب القول الجارح، وبيان أنه تكذيب العيان والشهود، واجتراء عظيم على نفى المشهود والموجود.
ثم ههنا وجهان آخران، مما أجليت فيه مسرح العين، حتى يلحق الجارح بالقارظين، ويصيرا أثرا بعد عين، ويحين صكة عمى، ونفخ هجير، يذهل غيلان عن مى، وهما من الوهاء في ترجمة البخاري، في تاريخه، لأبي حنيفة رحمه الله.
أحدهما أنه جعله من موالي بنى تيم الله وحفيد الامام إسماعيل بن حماد، يحلف جهد يمينه على أنا نحن أحرار، من أبناء فارس، ما وقع علينا رق قط.
وثانيهما: أن البدعة غير جارحة، عند صدوق اللهجة والديانة والتقوى، بل ليست سببا لنزول الحديث عن الصحة إلى الحسن أصلا، فضلا عن الضعف، فضلا عن ترك حديث صاحبها.
والسكوت عنه مطلقا، وجعله متروكا متمحضا.
ألم يتضح صحيحه الأصح بعد القرآن، من بين دفتيه، امتلأ من رواية عدى بن ثابت وهو من غلاة الروافض كما قاله الدارقطني وغيره.
وفيه عمران بن حطان، أحد رؤس الخوارج الخبيثة، ولو أحصى أهل البدع، بلغ الامر مبلغا من المتفق عليه.
فلم تستميل إلى من مال عن ريحك، وأضرم نار تباريحك؟
ولو كان ابن بوحك، أو شقيق روحك، فأين ذهب الجارح؟ جاء لابسا جلد النمر، وهاجما هجوم السيل المنهمر وفر متشحا بجرابه، ومضطعنا أهبة تجوابه، وانكشفت عورة التغليظ، لا ترى فيه امتراء وجاء كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء، بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.