فثبت بما ذكرنا أن ما عاين من جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين هو بخلاف ما تأوله المخالف لنا فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار المروية في جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين وقد ذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف كما جمع بينهما في السفر أفيجوز لأحد في الحضر لا في حال خوف ولا علة أن يؤخر الظهر إلى قرب تغير الشمس ثم يصلي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفريط في الصلاة ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة بأن يؤخر صلاة إلى وقت أخرى فأخبر صلى الله عليه وسلم أن تأخير الصلاة إلى وقت التي بعدها تفريط وقد كان قوله ذلك وهو مسافر فدل ذلك أنه أراد به المسافر والمقيم فلما كان مؤخر الصلاة إلى وقت التي بعدها مفرطا فاستحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بما كان به مفرطا ولكنه جمع بينهما بخلاف ذلك فصلي كل صلاة منهما في وقتها وهذا بن عباس رضي الله عنه قد روى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين ثم قد قال ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا سفيان بن عيينة عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه قال لا يفوت صلاة حتى يجئ وقت الأخرى فأخبر بن عباس رضي الله عنهما أن مجئ وقت الصلاة بعد الصلاة التي قبلها فوت لها فثبت بذلك أن ما علمه من جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين كان بخلاف صلاته إحداهما في وقت الأخرى وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه أيضا مثل ذلك حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا قيس وشريك أنهما سمعا عثمان بن عبد الله بن موهب قال سئل أبو هريرة رضي الله عنه ما التفريط في الصلاة قال أن تؤخر حتى يجئ وقت الأخرى قالوا وقد دل على ذلك أيضا ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن مواقيت الصلاة فصلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله ثم صلى الظهر في اليوم الثاني في ذلك الوقت بعينه فدل ذلك أنه وقت لهما جميعا قيل لهم ما في هذا حجة توجب ما ذكرتم لان هذا قد يحتمل أن يكون أريد به أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في قرب الوقت الذي صلي فيه العصر في اليوم الأول وقد ذكرنا ذلك والحجة فيه في باب مواقيت الصلاة والدليل على ذلك قوله عليه السلام الوقت فيما بين هذين الوقتين فلو كان كما قال المخالف لنا لما كان بينهما وقت إذا كان ما قبلهما وما بعدهما وقت كله ولم يكن ذلك دليلا على أن كل صلاة من تلك الصلوات منفردة بوقت غير وقت غيرها من سائر الصلوات
(١٦٥)