أعطوا من الأموال ما لم تعطوا، وأوتوا من الأعمار ما لم تؤتوا، فأصبحوا في القبور رميما، كأنهم لم يعمروا الأرض طرفة عين ولم تكن لهم الدنيا بدار.
قال: ثم سار محمد بن الحنفية وأصحابه حتى نزلوا مدينة إيلة، فجعلوا يصومون النهار ويقومون الليل، وجعل كل من مر بهم وقدم إلى دمشق يحدث عنهم، ويقول: ما رأينا قوما قط خيرا من هؤلاء القوم الذين قد دخلوا أرض الشام، إنما هم صيام وقيام لا يظلمون أحدا ولا يؤذون مسلما ولا معاهدا، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
قال: وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فندم على كتابه إلى ابن الحنفية وسؤاله إياه أن يقدم إلى بلاد الشام لما شاع في الناس من خبره وحسن الثناء عليه.
ذكر كتاب عبد الملك بن مروان إلى محمد بن الحنفية من دمشق وجوابه إياه:
أما بعد، فإنك قدمت إلى بلادنا بإذن منا، وقد رأيت أن لا يكون في سلطاني رجل لم يبايعني، فإن أنت بايعتني فهذه مراكب قد أقبلت من أرض مصر إلى إيلة، فيها من الأطعمة والأمتعة والأشياء كذا وكذا، فخذ ما فيها لك، ومع ذلك ألف ألف درهم اعجل لك منها مائتي ألف درهم، وتؤخرني بقيتها إلى أن افرغ من أمر ابن الزبير ويجتمع الناس إلى إمام واحد، وإن أنت أبيت أن تبايع فانصرف إلى بلد لا سلطان لنا بها، والسلام.
قال: فكتب إليه محمد بن الحنفية:
أما بعد، فإننا قدمنا هذه البلاد بإذنك إذ كان موافقا لك، ونحن راحلون عنها بأمرك إذ كنت كارها لجوارنا، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم خرج محمد بن الحنفية من إيلة راجعا إلى مكة ومعه أهل بيته وأصحابه، وهو يتلو هذه الآية: " قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا