فقال معاوية: عباد الله اتخذوا الله وليا واتخذوا خلفاءه جنة تحترزوا بها.
فقال صعصعة: كيف وكيف، وقد عطلت السنة، واخفرت الذمة، فصارت عشواء مطلخمة، في دهياء مدلهمة، قد استوعبتها الأحداث، وتمكنت منها الأنكاث؟
فقال له معاوية: يا صعصعة، لأن تقعي على ظلعك خير لك من استبراء رأيك، وإبداء ضعفك، تعرض بالحسن بن علي علي، ولقد هممت أن أبعث إليه.
فقال له صعصعة: أي والله وجدتهم أكرمهم جدودا، وأحياكم حدودا، وأوفاكم عهودا، ولو بعثت إليه لوجدته في الرأي أريبا، وفي الأمر صليبا، وفي الكرم نجيبا، يلذعك بحرارة لسانه، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره.
فقال له معاوية: والله لأجفينك عن الوساد، ولأشردن بك في البلاد.
فقال له صعصعة: والله إن في الأرض لسعة، وإن في فراقك لدعة. فقال معاوية: والله لأحبسنك عطاءك.
قال: إن كان ذلك بيدك فافعل، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاؤه، ولا يحيف في قضيته. فقال له معاوية: لقد استقتلت.
فقال له صعصعة: مهلا، لم أقل جهلا، ولم أستحل قتلا، لا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوما كان الله لقاتله مقيما يرهقه أليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما (1).
(648) أهل المدينة ومعاوية لما كتب معاوية إلى أهل المدينة ومكة: