تمت به من حسب كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الحدية (1) غير أنك بهم تطول، وبهم تصول، فلقد استطبت مع هذا لسانا قوالا، سيصير عليك وبالا، وأيم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديما وحديثا، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وأنك لتوالي عدوه، وتعادي وليه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليقطعن عنه لسانك، وليخرجن من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان في أصل الشجرة.
فتكلم معاوية فقال: يا أبا الأسود، أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك. وقال لعمرو: فلم تغرق كما أغرقت ولم تبلغ ما بلغت، غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والباغي أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره، وقوما غير مطرودين. فقام عمرو وهو يقول:
لعمري لقد أعيى القرون التي مضت * لغش ثوى بين الفؤاد كمين وقام أبو الأسود وهو يقول:
ألا إن عمرا رام ليث خفية * وكيف ينال الذئب ليث عرين (2) (571) ابن عم لعمرو وعمرو كان مع عمرو بن العاص ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا، عجب الفتى وقال: ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش وأعطيت دينك، وتمنيت دنيا غيرك، أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه بالكتاب، يعني كتاب معاوية إلى عمرو؟ فقال