أما بعد، فقد أتاني كتابك توصيني فيه بمن توجه إلى ما قبلي من أهل بيتك، فما أسرني بصلة رحمك وحفظ وصيتك! وكل ما هويت من ذلك فمفعول متبع، فأنزل بي حوائجك رحمك الله! إن أحببت، فلن أعرج عن حاجة لك قبلي، فإنك أصبحت عظيم الحق علي مكينا لدي، وفقنا الله وإياك لأفضل الأمور، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: فعندنا تجهز محمد بن الحنفية وخرج من مكة فيمن معه من أهل بيته وأصحابه، وبين يديه رجل من شيعته يرتجز ويقول أبياتا مطلعها هديت يا مهدي وابن المهتدي * أنت الذي نرضى به ونقتدي إلى آخرها.
قال: ثم جعل أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني يرتجز أيضا بين يدي محمد ابن الحنفية، وهو يقول أبياتا مطلعها:
يا إخوتي يا شيعتي لا تبعدوا * إني زعيم لكم أن ترشدوا إلى آخرها.
قال: ثم سار محمد بن الحنفية حتى صار إلى مدينة مدين وبها يومئذ عامل من قبل عبد الملك بن مروان يقال له: " مطهر بن يحيى العتكي " فلما نظر هؤلاء القوم أمر بباب المدينة فأغلق ولقي من ناحيتهم، فناداهم أصحاب محمد: يا أهل مدين لا تخافوا فإنكم آمنون، إنما نريد منكم أن تقيموا لنا السوق حتى نتسوق منه ما نريد، نحن أصحاب محمد بن علي بن أبي طالب، لسنا نرزأ أحدا شيئا ولا نأكل شيئا إلا بثمن.
قال: ففتح أهل مدين باب مدينتهم وأخرجوا لهم الأنزال.
فقال محمد بن الحنفية لأصحابه: أيها الناس إني قد وطئت بكم آثار الأولين وأريتكم ما فيه معتبر وتبصرة لكم إن كنتم تعقلون، ألم تروا إلى ديار عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين! كانوا عمار الأرض من قبلكم وسكانها،