كأنهم لها خلقوا، وقد نسوا الآخرة حتى كأنهم بها لم يؤمروا، فهم يضلون على الدنيا أنفسهم، ويقطعون فيها أرحامهم، ويفرطون لها عن سنة نبيهم، ولا يبالون ما أتوه فيها من نقص دينهم إذا سلمت لهم دنياهم. اللهم فلا تنسنا ذكرك، ولا تؤمنا مكرك، ولا تجعل الدنيا لنا هما، ولا تحرمنا صحبة الصالحين في دار السلام.
قال: ثم أقبل على أصحابه، فقال:
إني أرى ما بكم من الجهد، ولو كان عندي فضل لم أدخره عنكم، وقد تعلمون ما ألقى من هذا الرجل الذي قرب دماؤه وساء جواره، وظهرت عداوته واشتدت ظغينته، يريد أن يثور بنا في مكاننا هذا، وقد أذنت لمن أحب منكم أن ينصرف إلى بلاده، فإنه لا لوم عليه مني، وأنا مقيم في هذا الحرم أبدا حتى يفتح الله لي، وهو خير الفاتحين.
قال: فقام إليه أبو عبد الله الجدلي - وكان من خيار أصحابه - فقال:
سبحان الله! يا أبا القاسم، نحن نفارقك على هذه الحالة وننصرف عنك!
لا والله! ما سمعنا إذا ولا أبصرنا ما نقلنا أقدامنا وثبتت قوائم سيوفنا في أكفنا، وعقلنا عن الله أمرنا ونهينا.
قال: ثم وثب عبد الله بن سلع الهمداني، فقال:
ثكلتني أمي وعدمتني إن أنا فارقتك وانصرفت عنك إلى أحد من الناس هو خير منك أو شبيه بك، والله ما نعلم مكان أحد هو أصلح منك في وقتنا هذا، ولكن نصير معك، فإن نمت فمجدا، وإن نقتل فشهداء، ولا والله لئن أقتل معك على بصيرة محتسبا لنفسي أحب إلي من أن أوتى أجر عشرين شهيدا معك.
قال: ثم وثب محمد بن بشر الشاكري، فقال:
يا ابن خير الأخيار وابن أبر الأبرار ما خلا النبيين والمرسلين، والله لئن