الظلمة والجهالة، حائدا عن الحق، قائلا بغير صدق، فهذا مقام العائذ، ومنطق التائب، ومبصر الهدى بعد طول العمى، ثم يا أمير المؤمنين، كم من عاثر أقلتم عثرته؟ ومجترم عفوتم عن جرمه؟
فقال له هشام - وأيقن أنه الكميت -: ويحك من سن لك الغواية وأهاب بك في العماية؟
قال: الذي أخرج أبي آدم من الجنة فنسي ولم يجد له عزما، وأمير المؤمنين كريح رحمة أثارت سحابا متفرقا، فلفقت بعضه إلى بعض حتى التحم فاستحكم وهدر رعده وتلألأ برقه، فنزل الأرض فرويت وأخضلت واخضرت وأسقيت، فروي ظمآنها، وامتلأ عطشانها، فكذلك نعدك أنت يا أمير المؤمنين أضاء الله بك الظلمة الداجية بعد الغموس فيها، وحقن بك دماء قوم أشعر خوفك قلوبهم، فهم يبكون لما يعلمون من حزمك وبصيرتك، وقد علموا أنك الحرب وابن الحرب إذا احمرت الحدق، وعضت المغافر بالهام، عز بأسك، واستربط جأشك مسعار هتاف وكاف، بصير بالأعداء، مغري الخيل بالنكراء، مستغن برأيه عن رأي ذوي الألباب، برأي أريب وحلم مصيب، فأطال لأمير المؤمنين البقاء، وتمم عليه النعماء، ودفع به الأعداء.
فرضي عنه هشام وأمر له بجائزة (1).
(656) الفرزدق وسليمان بن عبد الملك دخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك، فقال له: من أنت؟ وتجهم له كأنه لا يعرفه.
فقال له الفرزدق: وما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا.