آكل الأطعمة المحرمة والحلوى البالية والميتة والدم على حال الضرورة أحب إلي من البقاء مع القوم الظالمين، لأنه قد ابتلي الصالحون من قبلنا، فكانت تقطع أيديهم وأرجلهم وتسمل أعينهم ويصلبون على جذوع النخل أحياء، كما فعل ابن سمية زياد بن أبيه وابن مرجانة عبيد الله بن زياد الفاجر الفاسق بشيعتكم، فكانوا يقتلون صبرا، كما قتل حجر بن عدي وأصحابه، وكل ذلك كانوا يقتلون، وعلى ذلك كانوا يصبرون.
قال: فقال لهم محمد بن الحنفية: جزاكم الله من صحابة خير ما جزى الصالحين الصابرين.
قال: وجد عبد الله بن الزبير في عداوة محمد بن الحنفية، كل ذلك ليبايع ابن الحنفية، وهو يأبى ذلك.
قال: وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فكتب إلى محمد بن الحنفية:
أما بعد، فقد بلغني ما به ابن الزبير مما لست له أهل، وأنا عن قليل سائر إليه إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانظر إذا قرأت كتابي هذا، فسر إلى ما قبلي أنت ومن معك من شيعتك، وانزل حيث شئت من أرض الشام آمنا مطمئنا إلى أن يستقيم أمر الناس فنختار أي الخصال أحببت، والسلام.
قال: فعندها عزم محمد بن الحنفية على المسير إلى الشام، وكتب عبد الله بن عباس إلى عبد الملك بن مروان:
أما بعد، فإنه قد توجه إلى بلادك رجل منا: لا يبدأ بالسوء، ولا يكافئ على الظلم، لا بعجول ولا بجهول، سريع إلى الحق، أصم عن الباطل، ينوي العدل، ويعاف الحيف، ومعه نفر من أهل بيته وعدة من رجال شيعته، لا يدخلون دارا إلا بإذن، ولا يأكلون إلا بثمن، رهبان بالليل ليوث بالنهار، فاحفظنا فيهم رحمك الله! فإن ابن الزبير قد نابذنا ونابذناه بالعداوة، والسلام.
قال: فكتب إليه عبد الملك بن مروان: