(391) الأشتر وسعيد بن العاص قال: فبينا سعيد بن العاص ذات يوم في مسجد الكوفة - وقت صلاة العصر - وعنده وجوه أهل الكوفة، إذ تكلم حسان بن محدوج الذهلي، فقال:
والله إن سهلنا لخير من جبلنا. فقال عدي بن حاتم: أجل! السهل أكثر برا وخصبا وخيرا. فقال الأشتر: وغير هذا أيضا، السهل أنهاره مطردة ونخله باسقات، وما من فاكهة ينبتها الجبل إلا والسهل ينبتها، والجبل خور وعر يحفي الحافر، وصخره يعمي البصر ويحبس عن السفر، وبلدتنا هذه لا ترى فيها ثلجا ولا قرا شديدا.
قال: فقال عبد الرحمن بن خنيس الأسدي صاحب شرطة سعيد بن العاص: هو لعمري كما تذكرون، ولوددت أنه كله للأمير ولكم أفضل منه.
فقال له الأشتر: يا هذا يجب عليك أن تتمنى للأمير أفضل منه ولا تتمنى له أموالنا، فما أقدرك أن تتقرب إليه بغير هذا! فقال عبد الرحمان بن خنيس:
وما يضرك من ذلك يا أشتر؟ فوالله إن شاء الأمير لكان هذا كله له. فقال له الأشتر: كذبت والله يا ابن خنيس! والله أن لو رام ذلك لما قدر عليه، ولو رمته أنت لفزعت دون فزعا يذل يخشع.
قال: فغضب سعيد بن العاص من ذلك، ثم قال: لا تغضب يا أشتر! فإنما السواد كله لقريش، فما نشاء منه أخذنا وما نشاء تركنا، ولو أن رجلا قدم فيه رجلا لم يرجع إليه أو قدم فيه يدا لقطعتها! فقال له الأشتر: أنت تقول هذا أم غيرك؟ فقال سعيد بن العاص: لا بل أنا أقوله. فقال الأشتر: أتريد أن تجعل مراكز رماحنا وما أفاء الله علينا بأسيافنا بستانا لك ولقومك؟ والله ما يصيبك من العراق إلا كل ما يصيب رجلا من المسلمين.
قال: ثم التفت الأشتر إلى عبد الرحمن بن خنيس، فقال: وأنت يا عدو الله