تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا، قال: فإن الملك الذي خولك ما خولك لا يعاقب من عصاه بالقتل بل بالخلود في العذاب الأليم، وقد رأى ما قد عقدت عليه قلبك وعملته جوارحك ونظر إليه بصرك واجترحته يداك ومشت إليه رجلاك، وانظر هل يغني عنك ما شححت عليه من أمر الدنيا إذا انتزعه من يدك، ودعاك إلى الحساب على ما منحك؟
فبكى المنصور! وقال:
ليتني لم أخلق، ويحك! فكيف أحتال لنفسي؟ قال: إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بقولهم، فاجعلهم بطانتك يرشدوك، وشاورهم في أمرك يسددوك.
قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني!
قال: نعم خافوا أن تحملهم على طريقك، ولكن افتح بابك وسهل حجابك، وانظر المظلوم واقمع الظالم، وخذ الفئ والصدقات مما حل وطاب، واقسمه بالحق والعدل على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على صلاح الأمة.
وجاء المؤذنون فسلموا عليه ونادوا بالصلاة، فقام وصلى وعاد إلى مجلسه، فطلب الرجل فلم يوجد (1).
(454) الأعرابي وسليمان بن عبد الملك وقال ابن قتيبة في الكتاب المذكور: وقد قام أعرابي بين يدي سليمان ابن عبد الملك بنحو هذا، قال له:
إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام [فيه بعض الغلظة] فاحتمله إن