ولو أمعن القارئ في ما كتبه علماء العامة بشأنهما، وبشأن كتابيهما لتجلت له شخصية البخاري ومسلم وعلو مرتبتهما بحيث إن لم يعدهما معصومين لا يشك أبدا في تقواهما وعدالتهما وورعهما ووثاقتهما، وكذا لا يرتاب أبدا في صحة كتابيهما، وكذلك تتجسد لديه حقيقة مقولة بعض العلماء في الصحيحين من أنه ما تحت أديم الأرض كتاب أصح منهما، وإن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد نسب كتاب البخاري إلى نفسه واعتبره كتابه، وهكذا تتجسد له هذه الأمور جلية بحيث لا يمكن نقضها وتغييرها والخدشة فيها.
ولكن بمجرد دراسة مختصرة وتفحص إجمالي فيهما تتجلى الحقائق التي تكمن خلف أستار الوهم والخيال، وينكشف للباحث أن - في مقابل تلك الفضائل والكرامات المنقولة في شأن البخاري ومسلم والغلو الذي طالما حوصر بين الخيال والوهم - هناك علماء من أهل السنة أنفسهم قد نظروا إلى الصحيحين نظرة المحقق البحاثة فوضعوا ما احتواه الصحيحان على طاولة التشريح ووازنوهما بالمعيار الواقعي وخرجوا بعد ذلك بالنتيجة التالية: إن بعض أحاديث الصحيحين من جهة الإسناد وبعضها الآخر من جهة النص والمتن مرفوضة ومخالفة للأصول العلمية والدينية.
وهناك آخرون أيضا من علمائهم أزاحوا حجب العصبية عن بصائرهم ونظروا إلى شخصية البخاري ومسلم بمنظار الواقعية وأصبحت نظرتهم تماما على عكس الفئة الأولى المغالين الذين رووا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلغ سلامه إلى البخاري.
وهذا ما تكشفه هذه الصفحات التالية لذوي العقول والأبصار من بيان الحقيقة عن ماهية الصحيحين ومؤلفيهما، وتوضح الصورة الواقعية لهما ولمؤلفيهما.
وليعلم القارئ الكريم بأننا نحن الشيعة لم نكن سباقين إلى فتح باب الانتقاد على الصحيحين ومؤلفيهما وتفنيد رواياتهما، بل أن علماء العامة أنفسهم لهم السبق وأنهم تعرضوا لنقدهما وبينوا الحقيقة بصراحة، وفتحوا باب نقد الصحيحين على مصراعيه.
ومن هؤلاء الناقدين جمع من العلماء والمحدثين والحفاظ وشراح الصحيحين الذين تعتمد العامة أقوالهم وتعترف بعلو مقامهم العلمي عندما أبدوا نظرياتهم العلمية