وكان البخاري خلافا لأكثر متكلمي عصره يقول بأن لفظ القرآن مخلوق، ولما ورد مدينة نيسابور أفتى الذهلي - الذي تقلد منصب الإفتاء والإمامة بنيسابور - قائلا:
ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه (1).
وكان البخاري في نظر الذهلي وأكثر علماء نيسابور في ذلك العصر مطرودا ومضلا منحرفا في العقيدة، ووصل الانزجار والنفور منه إلى حد لم يمكنه البقاء في نيسابور فرحل عنها، وقال بعض: إنهم أبعدوه عن نيسابور، وتفرق عنه كل تلامذته وأصحابه عدا مسلم وأحمد بن مسلمة. وفروا منه كفرارهم من النار كيلا يمسهم لهيب الانزجار العام وغضب الناس كما أصاب البخاري.
ذكر أصحاب التراجم هذه القصة على أنها من أسوأ المصائب والآلام التي حلت بالبخاري.
ويمكن أن نستنتج من هذه الواقعة التاريخية، أن صحيح البخاري وكذلك صحيح صاحبه الأوحد مسلم بن حجاج النيسابوري قد وقعا معرض النقد والإبرام والذم ما لا يوصف من قبل العلماء والحفاظ مثل الذهلي. وإن هذين الكتابين اللذين عرفا واشتهرا اليوم باسم الصحيحين ويعدان مرجعا للتعاليم الدينية عند أهل السنة، قد كان مؤلفاهما