الحاضرين في المجلس والدار هو رد وجزاء للعمل بمثله. لقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقوبة لهم بما صنعوا (١) ويرد على هذا:
أولا: كما أشرنا إليه آنفا ودلت عليه مضامين بعض الأحاديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) عرف موضوع اللد بعد أن أفاق، فعلى هذا فلم يكن نهي قبل ارتكابهم هذا العمل حتى تتحقق المخالفة ويجزون عقابا على ارتكابه.
ثانيا: وعلى فرض قبول الحديث بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان عالما بأنه يلد فأشار إليهم ناهيا إياهم بأن يمتنعوا من ذلك، فعملهم ليس بذنب حتى يعاقبون عليه، ويحق له أن يعاقبهم على مخالفتهم له، لأن هذه المخالفة مبتنية على اعتقادهم بكراهية المريض للدواء وهذه الكراهية للدواء هو دأب كل مريض.
وثالثا: لو سلمنا أن الحاضرين في البيت أجمعوا جميعهم على اللد، ولكن المباشر في إعطاء الدواء للرسول (صلى الله عليه وآله) هو واحد لا الجميع لماذا عاقب النبي الجميع بفعل واحد أو اثنين منهم؟ والقرآن صريح في قوله: ﴿لا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (2)، وهذا النوع من الحكم يشبه الحكم بقصاص أناس رضوا بالقتل، فهل من عاقل تسمح له نفسه أن يعاقب من عمل بواجبه الشرعي والإنساني تجاهه، فأحسن إليه وأنقذه من الموت؟ فالجواب حتما لا، فكيف بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين الذي وصفه ابن حجر: بأنه ما اقتص ولا انتقم من أحد حتى من عدوه إذا تعدى على حقوقه الخاصة (3).
لقد بينا في الفصلين السابقين أن الغاية من اختلاق ووضع مثل هذه الأحاديث التي مر ذكرها هي تزكية أولئك الذين لعنوا على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) - كمن تخلف عن جيش أسامة، وقوله (صلى الله عليه وآله): لا أشبع الله بطنه، فجعلوا لعن النبي إياهم فخرا وتزكية ورفعة لمقامهم ورتبهم وصيروا ذلك اللعن أعلى رتبة من الدعاء والثناء.