وقال قاضي القضاة في المغني: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) إنما يأمر بما يتعلق بمصالح الدنيا من الحروب ونحوها عن اجتهاده، وليس بواجب أن يكون ذلك عن وحي، كما يجب في الأحكام الشرعية، وإن اجتهاده يجوز أن يخالف بعد وفاته، وإن لم يجز في حياته لأن اجتهاده في الحياة أولى من اجتهاد غيره.
ثم ذكر: أن العلة في احتباس عمر عن الجيش حاجة أبي بكر إليه، وقيامه بما لا يقوم به غيره. وأن ذلك أحوط للدين من نفوذه (1).
أقول: ذكرنا في فصل هل الرسول كان يجتهد (2)؟ وأثبتنا عدم تعبد النبي (صلى الله عليه وآله) بالاجتهاد واستدللنا على ذلك بالآيات المتظافرة، ونقلنا آراء بعض علماء أهل السنة من المحدثين والمفسرين الذين ذهبوا إلى ما قلناه بعدم التعبد بالاجتهاد، وأن هناك نوعا آخر من الوحي غير الوحي القرآني فكلامه كله وحي إلهي.
فعلى هذا فلو حكم النبي (صلى الله عليه وآله) بحكم لم يرد نصه في القرآن الكريم لم يكن دليلا على عدم وجود الوحي في الحكم، بل حكمه وحي من النوع الثاني القرآني.
وعلى هذا فكما أن أساس قصة تأبير النخل فاقدة الصحة فكذلك عقيدة أولئك العلماء من أهل السنة الذين نسبوا إلى رسول الله التعبد بالاجتهاد وجواز الخطأ في اجتهاده تكون باطلة ومردودة، وإن التمسك بقصة تأبير النخل ذريعة ودليلا لعقيدتهم ليست لها قيمة علمية، كما أن عدم وجود حكم واضح في القرآن ليس دليل على عدم وجود الوحي والحكم الإلهي في المسألة.
وأما ما ذكره الفاضل القوشجي عن مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في تحريمه للمتعتين واعتبر مخالفته للرسول مخالفة في مسألة اجتهادية فهو مردود ومرفوض أيضا، ولم يقبله أي محقق لبيب، لأن هذا القول هو قياس مع الفارق ولا يوجد