القرآنية، وبعد ذلك دست في أذهان بعض المسلمين. وذلك لأن قول إبراهيم (عليه السلام): (بل فعله كبيرهم هذا) و (إني سقيم) جاء في مقام الاحتجاج والمنازعة، والاستنكار على الوثنيين، وأنها طريقة وأسلوب بديع ابتدعه إبراهيم (عليه السلام) في حواره معهم، حتى يأخذ الإقرار منهم على بطلان عقيدتهم، وانحرافهم عن الحق، وهي شبيهة لقوله الآخر لما رأى طلوع الشمس والقمر والكواكب فقال: (هذا ربي)، وعندما رآها تغرب، قال: (إني لا أحب الآفلين) ولم يصح عبادة الرب الأفول. هذا ويتضح لك هذا جليا عند التأمل والمطالعة في صدر الآية وذيلها.
وأضف على هذا، وضوح بطلان الحديث الثاني الذي يروي بأن النبي إبراهيم (عليه السلام) اعترف: بأن هذه المواضيع الثلاثة ذنوبا حرمته من الشفاعة، ولو سلمنا بأن النبي إبراهيم (عليه السلام) قال تلك الجملات الثلاثة عند الضرورة، فإنها لا منافاة بينها وبين الشفاعة، لأن واجبه آنذاك في تلك الموارد كان ذاك، بل إن هذه المواقف الثلاثة تعتبر من المحن والمصائب والاختبارات التي امتحن الله بها نبيه إبراهيم (عليه السلام) واجهها في سبيل الله وإحياء أوامره. وإن مثل هذه المحن ليست مانعة من الشفاعة فحسب بل تزيد في درجة شفاعة الأنبياء والصالحين.
ويلزم أن نسعف ما ذكرناه ببيان مطلب آخر، هو أنه لو كانت جملتا (إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم) صدرتا كذبا من إبراهيم الخليل (عليه السلام)، لا بد أن تعد أكاذيب إبراهيم ستا وليس ثلاث لأن إبراهيم كما نص القرآن على ذلك فإنه كلما رأى الشمس أو القمر أو كوكبا كان يقول: (هذا ربي) (1).