عنهم فيها بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون وبأن على أبصارهم غشاوة لأن تلك الآيات تناولت أحوال التكليف وهي الأحوال التي كان الكفار فيها ضلالا عن الدين جاهلين بالله تعالى وصفاته وهذه الآية تتناول يوم القيامة وهو المعنى بقوله تعالى يوم يأتوننا و أحوال القيامة لا بد فيها من المعرفة الضرورية وتجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). فأما قوله تعالى (لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين) فيحتمل أن يريد تعالى بقوله اليوم الدنيا وأحوال التكليف ويكون الضلال المذكور إنما هو الذهاب عن الدين والعدول عن الطريق فأراد تعالى انهم في الدنيا جاهلون وفي الآخرة عارفون بحيث لا تنفعهم المعرفة ويحتمل أن يريد تعالي باليوم يوم القيامة ويعنى تعالى بالضلال المعدول عن طريق الجنة ودار الثواب إلى دار العقاب فكأنه قال أسمع بهم وابصر يوم يأتوننا غير أنهم مع معرفتهم هذه وعلمهم يصيرون في هذا اليوم إلي العقاب ويعدل بهم عن طريق الثواب وقد روي معنى هذا التأويل عن جماعة من المفسرين فروي عن الحسن في قوله تعالى [أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا] قال يقول تعالى هم يوم القيامة سمعاء بصراء لكن الظالمون في الدنيا سمعاء وبصراء ولكنهم في ضلال عن الدين مبين. وقال قتادة وابن زيد ذلك والله يوم القيامة سمعوا حين لم ينفعهم السمع وأبصروا حين لم ينفعهم البصر. وقال أبو مسلم بن بحر في تأويل هذه الآية كلاما جيدا قال معنى أسمع بهم وأبصر ما أسمعهم وأبصرهم وهذا على طريق المبالغة في الوصف يقول فهم يوم يأتوننا يوم القيامة سمعاء بصراء أي عالمون وهم اليوم في دار الدنيا في ضلال مبين أي جهل واضح قال وهذه الآية تدل على أن قوله (صم بكم عمى فهم لا يعقلون) ليس معناه الآفة في الأذن والعين والجوارح بل هو انهم لا يسمعون عن قدرة ولا يتدبرون ما يسمعون ولا يعتبرون بما يرون بل هم عن ذلك غافلون فقد نري أن الله تعالى جعل قوله تعالى (لكن الظالمون اليوم في ضلال) مقابلا لقوله تعالى أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا أي ما أسمعهم وما أبصرهم فأقام تعالى السمع والبصر مقام الهدى إذ جعله بإزاء الضلال المبين. فأما أبو علي بن عبد الوهاب فإنه اختار في تأويل هذه الآية غير هذا الوجه
(١٦)