البقرة إنما هو بعد الذبح فكأنه تعالى قال (فذبحوها وما كادوا يفعلون) لأنكم (قتلتم نفسا فادارأتم فيها) فأمرناكم بأن تضربوه ببعضها لينكشف أمره فأما إخراج الخطاب تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى) لان الامر بضرب المقتول ببعض مخرج ما يتوجه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب في خطاب الأبناء بخطاب الآباء والأجداد وخطاب العشيرة بما يكون من أحدها فيقول أحدهم فعلت بنو تميم كذا وقتل بنو فلان فلانا وإن كان القاتل والفاعل واحدا من بين الجماعة ومنه قراءة من قرأ (يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) بتقديم المفعولين على الفاعلين وهو اختيار الكسائي وأبى العباس ثعلب فيقتل بعضهم ويقتلون وهو أبلغ في وصفهم وأمدح لهم إذا قاتلوا وقتلوا بعد أن يقتل بعضهم كان ذلك أدل على شجاعتهم وقلة جزعهم وحسن صبرهم.. وقد قيل إنه كان القاتلان اثنين قتلا ابن عم لهما فإن الخطاب جرى عليهما بلفظ الجمع كما قال تعالى (وكنا لحكمهم شاهدين يريد داود وسليمان عليهما السلام والوجه الأول أولى وأقوى بشهادة الاستعمال الظاهر له ولان أكثر أهل العلم أجمعوا على أن القاتل كان واحدا.. ومعنى (فادارأتم) فتدارأتم أي تدافعتم وألقى بعضكم القتل على بعض يقال دارأت فلانا إذا دافعته وداريته إذا لا ينته ودريته ختلته ويقال أدرأ القوم إذا تدافعوا والهاء في قوله فادارأتم فيها تعود إلى النفس.. وقيل إنها تعود على القتلة أي اختلفتم في القتلة لان قتلتم تدل على المصدر والقتلة من المصادر تدل عليها الافعال ورجوع الهاء إلى النفس أولى وأشبه بالظاهر.. فأما قوله تعالى (كذلك يحيى الله الموتى) فالإشارة وقعت به إلى قيام المقتول عند ضربه ببعض أعضاء البقرة لأنه روى أنه قام حيا وأوداجه تشخب دما فقال قتلني فلان ونبه الله تعالى بهذا الكلام وبذكر هذه القصة على جواز ما أنكره مشركو قريش واستبعدوه من البعث وقيام الأموات لأنهم قالوا إذا كنا عظاما ورفاتا الآية فأخبرهم الله تعالى بان الذي أنكروه واستبعدوه هين عليه غير متعذر في اتساع قدرته وكان مما ضرب تعالى لهم من الأمثال ونبههم عليه من الأدلة ذكر المقتول الذي ضرب ببعض البقرة فقام حيا وأراد تعالى أنني إذا كنت قد أحييت هذا المقتول بعد خروجه عن الحياة ويأس قومه من عوده وانطواء خبر كيفية قتله عنهم ورددته حيا مخاطبا
(١٣١)