ففعل ذلك فلما كان من الغد رؤى الجاحظ متصدرا في مجلس ابن أبي دؤاد وعليه خلعة من ثيابه، وطويلة من قلانسه وهو مقبل عليه بوجهه يقول هات يا أبا عثمان.
أخبرني أبو الفرج الأصفهاني بإسناده عن إسحاق الموصلي قال: لم أر قط مثل جعفر بن يحيى كانت له فتوة، وظرف وأدب، وحسن غناء، وضرب بالطبل، وكان يأخذ بأجزل حظ من كل فن فحضرت باب الرشيد يوما فقيل لي: إنه نائم فانصرفت. فلقيني جعفر بن يحيى قال لي ما الخبر؟ فقلت أمير المؤمنين نائم. فقال لي قف مكانك ومضى إلى دار أمير المؤمنين فاعلم أنه نائم. فرجع فقال سر بنا إلى المنزل حتى نخلو بقية يومنا وأغنيك ونأخذ في شأننا من وقتنا هذا. فقلت نعم فصرنا إلى منزله فطرحنا ثيابنا. ودعا بالطعام فطعمنا، وأمر بإخراج الجواري وقال ابرزن فليس عندنا من نحتشمه. فلما وضع الشراب دعا بقميص حرير فلبسه، ودعا بخلوق فتخلق، ودعا لي بمثل ذلك وجعل يغنيني وأغنيه، وكان قد تقدم إلى الحاجب ان لا يأذن لاحد من الناس كلهم وان جاء رسول أمير المؤمنين اعلمه أنه مشغول واحتاط في ذلك وتقدم إلى جميع الحجاب والخدم ثم قال إن جاء عبد الملك فأذنوا له.
يعنى رجلا كان يأنس به ويمازحه ويحضر خلواته، ثم أخذنا في شأننا فوالله انى لعلى حالة سارة إذ رفع الستر وإذا عبد الملك بن صالح الهاشمي، وغلط الحاجب ولم يفرق بينه وبين الذي يأنس به جعفر وكان عبد الملك الهاشمي من جلالة القدر والتقشف والامتناع عن منادمة أمير المؤمنين على أمر جليل، وكان أمير المؤمنين قد اجتهد أن يشرب قدحا فلم يفعل ترفعا لنفسه، فلما رأيناه مقبلا أقبل كل واحد منا ينظر إلى صاحبه وكاد جعفر ينشق غيظا وفهم الرجل حالنا، وأقبل نحونا حتى إذا صار إلى الرواق الذي نحن فيه نزع جبته فرمى بها مع طيلسانه جانبا ثم قال: أطعمونا شيئا. فدعى له جعفر بالطعام وهو منتقح غيظا ثم دعا برطل فشربه ثم أقبل إلى المجلس الذي نحن فيه ثم أخذ بعضادتي الباب وقال: أشركونا فيما أنتم فيه. فقال له جعفر ادخل فدخل بقميص حرير وخلوق فلبس وتخلق ثم دعا برطل ورطل حتى شرب عدة أقداح