حتى هبت ريح باردة، وغبرة فلم ير بعضنا بعضا، ووقعنا لوجوهنا، واشتغلنا بأنفسنا عن الفتى، ثم سكنت الريح والغبرة فرأينا الكواكب وطلبنا الفتى فلم نجده. ورأينا قيوده مرمية بحضرتنا. قال فقال الحاجب للخادم هلكنا سيقع لأمير المؤمنين أنا أطلقناه فماذا نقول لئن نحن كذبناه لم نأمن أن يبلغه حبر الفتى، ولئن صدقناه ليعجلن المكروه علينا؟ فقال أحدهما للآخر لئن كان الكذب ينجى فالصدق أنجى. فلما دخلوا عليه قال هلم ما فعلتما؟ فقال الحاجب يا أمير المؤمنين الصدق أولى ما اتبع ومثلي لا يجترئ أن يكذب على أمير المؤمنين، وأنه كان من الخبر كذا وكذا فقصه عليه. فقال الرشيد:
والله لقد تداركه اللطف الخفي، والله لأجعلنها من مقدمات دعائي امض لشأنك واكتم ما جرى.
وعن أبي سلمة عبيد الله بن منصور قال: جرت على رجل شدة هاضته فلح في الدعاء ذات ليلة فهتف به هاتف يا هذا: " قل يا سامع كل صوت، ويا بارئ النفوس بعد الموت، ويا من لا تغشاه الظلمات، ويا من لا يشغله شئ عن شئ ". قال فدعا بها ففرج الله عنه ولم يسأل ربه حاجة تلك الليلة إلا أعطاه * وعن إسحاق العرواني قال: زحف إلينا ابن ادمهو مرد عند مدينة الكرج في ثمانين فيلا فكادت تنقض الصفوف والخيول فكرب لذلك محمد ابن القاسم، فنادى عمران بن النعمان أمير أهل حمص وأمر الأجناد فنهضوا فما استطاعوا فلما أعيته الأمور نادى مرارا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فكف الله الفيلة بذلك وسلط عليها الحر فأنضجها فنزعت إلى الماء فما استطاع سواقها ولا أصحابها حبسها وحملت الخيل عند ذلك فكان الفتح * قال كان حبيب بن سلمة يستحب إذا لقى العدو أو ناهض حصنا قول:
لا حول ولا قوه إلا بالله. وانه ناهض يوما حصنا فانهزم الروم فقالها المسلمون فانصدع الحصن.
حدثني الحسين بن عبد الرحمن: أن بعض الوزراء نفاه الملك لموجدة وحدها عليه فاغتم لذلك غما شديدا فبينما هو ذات ليلة في مستتر له إذ أنشد رجل معه بيتين من شعر وهما: