ولا نستحسن أخذ شئ منكما مع هذا الحال. فقمت وتغير حالي فقال أبى أردد الدراهم على أبى بكر فدفعتها إلى من جاء بها فردها عليه، وكان أبى يصوم تلك الأيام كلها فلما غابت الشمس ذلك اليوم وتطهر لم يفرط وصلى المغرب وصليت معه ثم أقبل على الصلاة والدعاء إلى أن صلى العشاء الآخرة. ثم دعاني فقال: اجلس يا بنى جائيا على ركبتيك ففعلت، وجلس هو كذلك ثم رفع رأسه إلى السماء فقال يا رب: " محمد بن القاسم قد ظلمني، وحبسني على ما ترى، وأنا بين يديك، قد استغثت إليك، وأنت أحكم الحاكمين، فاحكم بيننا ".
لا يزيد عليها، ثم صاح بها إلى أن ارتفع صوته ولم يزل يكررها بصياح وبكاء، واستغاثة إلى أن ظننت أنه قد مضى ربع الليل. فوالله ما قطعها حتى سمعت الباب يدق فذهب عنى أمري، ولم أشك أنه القتل وفتحت الأبواب فدخل قوم بشموع، فتأملت فإذا فيهم سابور خادم القاهر. فقال: أين أبو طاهر؟ فقام أبى فقال: ها أنا ذاك. فقال أين ولدك؟ فقال: هو ذا.
فقال انصرفا إلى منزلكما. فإذا هو قد قبض على محمد بن القاسم وأخذه إلى دار القاهر فانصرفنا وعاش محمد في الاعتقال ثلاثة أيام ومات.
لما خرج طاهر بن الحسين إلى محاربة علي بن عيسى بن ماهان جعل ذات يوم في كمه دراهم يفرقها على الفقراء، ثم أسبل كمه ناسيا فانتقضت الدراهم فتطير من ذلك واغتم فانتصب له شاعر فقال:
هذا تفرق جمعهم لا غيره * وذهابه منه ذهاب الهم شئ يكون الهم نصف حروفه * لا خير في إمساكه في الكم فسلى همه وما به وأمر له بثلاثين ألف درهم.
انصرف يحيى بن خالد البرمكي من عند الهادي وقد ناظره في تسهيل خلع العهد عن هارون الرشيد ويحيى يحلف أنه قد فعل ذلك وجهد به فامتنع هارون. فقال له الهادي: كذبت هذا من فعلك، والله لأفعلن بك ولأصنعن، وتوعده بكل عظيمة وصرفه، فجاء إلى داره فكلم غلامه في شئ فأجابه بما أعاظه، فلطمه يحيي فانقطعت حلقة خاتمه وضاع الفص.