ففعل ذلك فنجا، وعاد إلى موضعه وتشاغل بعبادته.
ووقعت لي هذه الحكاية على سياقة أخرى وذلك: أن الرجل خبأ الحية في جوفه فقالت له الحية: اختر منى إحدى خصلتين أن أنكثك نكثة فأقتلك، أو اكرث كبدك فتلقيها من أسفل قطعا؟ قال: والله ما كافأتيني. قالت:
فلم تضع المعروف عند من لا يعرفه؟ وقد عرفت عداوة ما بيني وبين أبيك قديما، وليس معي مال فأعطيك ولا دابة فأحملك؟ فبهذا أكافئك. قال:
فامهليني حتى آتي سفح الجبل، وأمهد لنفسي قبرا. فبينما هو يمشى إذا فتى حسن الوجه، طيب الرائحة، حسن الثياب فقال له يا شيخ: مالي أراك مستسلما للموت، آيسا من الحياة؟ قال من عدو في جوفي يريد هلاكي فاستخرج شيئا من كمه فدفعه إليه وقال: كله، فلما أكله وجد مغصا شديدا ثم ناوله أخرى فأكلها فرمى بالحية من أسفله قطعا. فقال له من أنت؟ يرحمك الله فما أحد أعظم منة على منك. قال: أنا المعروف الذي صنعت لان أهل السماء لما رأوا غدر الحية بك اضربوا كل يسأل ربه أن يغيثك. قال الله عز وجل يا معروف: أدرك عبدي فإياي أراد بما صنع * بلغني أن رجلا جنى على عهد عبد الملك بن مروان جناية فأهدر دمه، وأمر بطلبه وأهدر دم من يأويه، فتحاماه الناس فكان يأوى الجبال والمفاوز مستخفيا لا يذكر اسمه ويضاف اليوم واليومين فإذا عرف طرد. فقال الرجل: كنت يوما أسيح في بطن واد فإذا بشيخ أبيض عليه ثياب بيض قائم يصلى فقمت فصليت إلى جانبه فلما سلم قال لي: من أنت؟ فقلت رجل أخافني السلطان وقد تحامني الناس ولم يجرني أحد فأنا أسيح في هذه البرية خائفا على نفسي. قال: فأين أنت من السبع؟ قلت وأي سبع. قال: " تقول سبحان الله الواحد الذي ليس غيره، سبحان الدائم الذي لا يعادله شئ، سبحان القائم القديم الذي لا بدء له، سبحان الذي يحي ويميت، سبحان الذي كل يوم هو في شأن الذي خلق ما يرى ومالا يرى، سبحان الذي علم كل شئ بغير تعليم. اللهم إني أسألك بحق هذه الكلمات وحرمتهن أن تفعل بي كذا وكذا فأعادهن على حتى حفظتهن. قال الرجل: وفقدت صاحبي فألقى الله عز وجل الامن في قلبي فخرجت من وقتي