وقلت له: خذ هذه الرقعة، فشدها على عضدك الأيمن ولا تعلقها عليك إلا إذا كنت طاهرا. قال: فأخذها وقام ووضع بين يدي دينارا عينا فتداخلني رحمة له فصليت ركعتين ودعوت الله عز وجل أن ينفعه بالكتاب، ويرضى عليه قلب مولاه وجلست. فما مضت إلا ساعتان فإذا بأبي الجود خليفة عجيف غلام ناذوك وكان على الشرطة قد جاءني فقال: أجب الأمير ناذوك. قال:
فخفت. فقال: لا ترع وأركبني بغلا وجاء بي إلى دار ناذوك فتركني في الدهليز ودخل فلما كان بعد ساعة أدخلت إلى ناذوك فإذا هو جالس في دست عظيم وبين يديه الغلمان قياما نحو ثلاث مائة غلام وأكثر، وكاتبه أبو القاسم جالس بين يديه ورجل لا أعرفه، فارتعت وأهويت لاقبل الأرض. فقال: مه عافاك الله لا تفعل هذه من سنن الجبارين، ما نريد نحن هذا اجلس يا شيخ لا تخف. قال: فجلست فقال جاءك اليوم غلام أمرد فكتبت له كتابا للعطف؟
فقلت: نعم. قال فأصدقني عما جرى بينكما حرفا حرفا، قال فأعدته عليه حتى لم أخرم منه حرفا، وتلوت عليه الآيات. قال فلما قلت له: إن الغلام قال أنا عبد مملوك وما أعددت لنفسي من أقصده لهذا الحال ولا أعرف جهة ألجأ إليها وقد طردني مولاي بكيت أنا لما تداخلني من رحمتي للفتى ومحبتي للدينار الذي أعطانيه. قال: فدمعت عين ناذوك ثم تجلد واستوفى الحديث وقال قم يا شيخ بارك الله فيك وعليك، ومهما عرضت لك حاجة أو لجارك أو لصديقك فاسألني إياها فانى أقضيها إن شاء الله تعالى، وأكثر الحضور عندنا، وانبسط في هذه الدار فإنك غير محجوب عنها، فدعوت له وخرجت فلما صرت في الدهليز إذا بالفتى فعدل بي إلى موضع وأجلسني فقلت:
ما خبرك؟ قال أنا غلام الأمير وكان قد عضب على وطردني فجئتك فلما جلست عندك طلبني فرجعت فإذا برسل قد انبثوا في طلبي، فلما حضرت قال أين كنت فحدثته، فلم يصدقني فطلبك فلما حدثته بمثل ما حدثته أنا حرفا بحرف وخرجت الساعة أحضرني وقال يا بنى إنك الساعة من أجل غلماني عندي، وأمكنهم من قلبي، وأخصهم بي إذ كنت لما عاملتك بهذا ما غيرك ذلك