فكست سكوت مبهوت. فقال لي مالك؟ فقلت: والله ما أرجع إلى ربعها إلا بعد بيع عقاري ومن يشترى منى وأنا منكوب، وكيف يتوفر الثمن. فقال: أنا أعلم أنك صادق ولكن احرس نفسك عاجلا بعظم ما تبذله ويطمع فيه من جهتك، وأنا وراء الحيلة لك في شئ أميل به رأى الخليفة إلى صلاحك والله المعين، ومن ساعة إلى ساعة فرج، والا تتعجل الموت، ولا تستفيد الراحة مما أنت فيه يوما. فقلت لست أتهم ودك ولا رأيك وأنا أكتب. فأقبل على الجماعة وقال يا سادتي: إني قد أشرت عليه أن يكتب بشئ لا طاقة له بأكثر منه، ورجوت أن تعاونه بأموالنا وجاهنا ليمشي أمره، وقد أوقفته ليكتب بكذا وكذا فقالوا الصواب أن تفعل هذا. فدعا له بدواة وقرطاس وأخذ خطه بالمال.
فلما أخذ قام موسى بن عبد الملك وقال لإسحاق يا سيدي: هذا رجل قد صار للسلطان عليه مال، وسبيله أن يرفه ويحرس نفسه، وينقل عن هذه الحال ويغير زيه، ويرد جاهه بانزاله في دار كبيرة واخدامه بفرش وآلة حسنة ويمكن من يؤثر لقاءه من أهله وولده وحاشيته ومعامليه ليجد في تمحل الأموال وتبعة الناس ويبيع أملاكه، ويرتجع ودائعه ممن هي عنده.
فقال إسحاق: أفعل ذلك الساعة، وغدا أخرجه إلى دار كبيرة كما وصفت، وأمكنه من جميع ما التمست له ونهضت الجماعة. فأمر إسحاق بأخذي في الحال وإدخالي الحمام وجاؤني بخلعة نظيفة فلبستها، وبخور طيب فتبخرت واستدعاني إسحاق فلما دخلت إليه نهض إلى ولم يكن في مجلسه أحد واعتذر إلى مما خاطبني به وقال: أنا صاحب سيف ومأمور، ولقد لحقني اليوم من أجلك سماع كل مكروه حتى امتنعت والله عن الطعام بأن ابتلى بقتلك أو يعتب الخليفة على من أجلك، وإنما خاطبتك بذلك إقامة عذر عند هؤلاء الاشراف ليبلغوا الخليفة ذلك وجعلته وقاية من الضرب والعذاب، فشكرته وقلت ما حضرني من الكلام. فلما كان من غد حولني إلى دار