فأخذه بحمية فابتلعه. فلما صار في حوصلته دخل المطهرة فتغسل ونشر جناحيه وصاح ونشط فبكيت ورفعت رأسي إلى السماء. فقلت: " اللهم كما فرجت عن هذا الشاهمرج ففرج عنى وارزقني ". فما رددت طرفي حتى دق الباب داق فقلت: من؟ فقال: إبراهيم بن نوح، وكان للعباس وكيل هذا اسمه. فقلت ادخل، فنظر إلى صورتي فقال: مالي أراك على هذه الحالة. فكتمته خبري.
فقال: الأمير يقرأ عليك السلام وقد أصبح في هذا اليوم وهو يذكرك وأمر لك بخمسمائة دينار وأخرج الكيس ووضعه بين يدي. فحمدت الله تعالى ودعوت للعباس ثم أريته قصتي وأطلعته داري وبيوتي وعرفته خبر الدابة والمنديل والشاهمرج والدعوة فتوجع لي وانصرف. فلم يلبث أن عاد وقال:
قد صرت إلى الأمير وحدثته حديثك كله فتوجع وأمر لك بخمسمائة دينار أخرى ثانية لتلك وأنفق هذه إلى أن يصنع الله عز وجل. وعاد غلامي وقد باع المنديل ببضع عشرة درهما فاشترى ما أمرته فأريته الدنانير وحدثته الحديث وما زال صنع الله يتعاهدني * قال المدايني في كتابه وحدث القاضي أبو الحسن في كتابه عن المدايني بغير إسناد واللفظان متقاربان: ان أعرابية كانت تخدم نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت كثيرا تتمثل بهذا البيت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا * إلا أنه من ظلمة الكفر أنجاني فقيل لها: إنك لتكثرين التمثل بهذا البيت وإنا لظنه لأمر فما هو؟
فقالت أجل كنت عسيفة على قوم من البادية - والعسيف الأجير - فجاءت جارية منهن فاختطف وشاحها عقاب ونحن لا ندري. فقلن إن الوشاح أنت صاحبته، فحلفت واعتذرت فأبين قبول قولي واستدعين الرجال فجاؤوا وفتشوني فلم يجدوا شيئا. فقال بعضهم احتملته في فرجها، فأرادوا أن يفتشوا فرجى فما ظنكم بامرأة تخاف ذلك. فلما خفت الشر رفعت رأسي إلى السماء وقلت: " يا رباه أغثني ". فمرت العقاب فطرحته بيننا فندموا وقالوا ظلمنا المسكينة وجعلوا يعتذرون إلى فما وقعت في كربة إلا ذكرت ذلك وهو يوم الوشاح ورجوت الفرج * حكى القاضي أبو الحسين في كتابه قال: حدثني