المالكي، وقال له: " تحكم برأيك) وهدده بالعزل، فعقد مجلسا للقضاة حضره الملك والقضاة وجمع كبير من الناس، و (الشهيد) رحمه الله، فوجهت إليه التهم فأنكر ذلك، فلم يقبل منه الإنكار.
وقيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعا ولا ينتقض حكم الحاكم.
فقال الشهيد رحمه الله: الغائب على حجته. فإن أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه، وإلا فلا، وها أنا أبطل شهادات من شهد بالجرح ولي على كل واحد حجة بينة.
وهو كلام معقول، إلا أن ذلك لم يسمع منه، وعاد الحكم إلى المالكي فقام وتوضأ وصلى ركعتين، ثم قال: قد حكمت بإهراق دمه.
وإذا كنا نحن نفهم أن الأغراض والمصالح الشخصية قد تبرز لابن جماعة ولبيدمر، وغيرهما أن يقضوا على (الشهيد) ويقتلوه فلا نفهم مغزى هذه المعاملة التي عومل بها الشهيد بعد وفاته.
فلم يكن الغرض هو القضاء على (الشهيد) فقط، وإلا كان الشهيد قد لقي حتفه بالضربة الأولى من السيف وإنما كان الغرض هو إهانة (الشهيد) بعد وفاته، والحط من مكانته حتى بعد موته، ويجب أن يبلغ الإنسان الغاية من الوضاعة، والانحطاط الخلقي، والاسفاف والحقد حتى يستشفي بإهانة قتيل قد أزيح عن ميدان المعارضة.
فقد قتل (الشهيد) بدمشق، ثم أمر بصلبه وهو مقتول بمرأى من الناس، ويحيطه جماعات من الجلاوزة للمحافظة على جثته من أن يستولي عليه مخلصوه ومريدوه لدفنه، ثم يلم يجد هؤلاء الحاقدون الوضيعون في ذلك شفاءا لغليلهم فأمروا برجم الجسد بالحجر. فرجمه جلاوزة (بيدمر) و (ابن جماعة).
ويظهر أن ذلك كله لم يطفئ الحقد الموغل في نفوسهم القذرة فأمروا بحرق الجسد.