شخصيته، فقد وجد (برهان الدين بن جماعة) - وهو الشخص الذي تروقه الألقاب الضخمة، والمكانة المحترمة، والمناصب الكبيرة - أن (الشهيد) استطاع في مدة يسيرة من بقائه بدمشق أن يستولي على قلوب الناس، وأن يحتل مكانة رفيعة، ويكون له علاقات مع أقطاب العلم والسياسة في وقته، وأن يستقطب حوله طلبة العلم والفضلاء، والساسة من دمشق وخارجه. فحاول أن يغض منه ويهينه، ويحط من مكانته.
فاجتمع به ذات يوم. وفي غالب الظن أن الاجتماع كان ببيت (الشهيد) حيث كان أمامه داوة يكتب بها، وهذه الوضعية لا تخلو عن ابن جماعة.
كان في بيته وتحدثا في مسألة واختلفا فيها، وكان يحضر المجلس جمع كبير من الفقهاء والأعيان، فعز على (ابن جماعة) أن يرد عليه (الشهيد) ويفحمه بمحضر من الناس، فأراد أن يهينه، وكان الشهيد ذا جثة نحيفة بعكس (ابن جماعة) الذي يملك جثة ضخمة.
فقال للشهيد: إني أجد حسا من وراء الدواة ولا أفهم ما يكون معناه؟
تعريضا بنحافة جسمه، وتحقيرا لرأيه.
فأجابه الشهيد على الفور: " نعم ابن الواحد لا يكون أعظم من هذه " (1).
فخجل (ابن جماعة) وسكت عن الكلام، وازداد غيظا على غيظ وحقدا على حقد.
هذا بالإضافة إلى دسائس أتباع (اليالوش) فلم يقدر للشهيد أن يجتث هذه الفرقة من الجذور كما ذكرنا فيما تقدم من هذا الحديث، فبقي من الفرقة فروع تزعمها (تقي الدين الجبلي) فالتف حوله ما بقي من أتباع (اليالوش).
وكان (الشهيد) يحاول الكرة على ما تبقى من أتباع (اليالوش) حينما تتاح له