وكلما كان الإنسان هادفا في حياته إنسانيا في سلوكه، حركيا عمليا يتوسع فكره لأكثر من نفسه، ويتسع صدره لغير (الأنا) و (الذات) كان أكثر تأثيرا في مصير الناس، وبناء التاريخ. وكانت النتيجة بجانبهم ولصالحهم. وذلك لسبب بسيط، فالذي يملك هدفا في الحياة لا بد أن يترك أثرا فيها ويطبع الحياة بطابع من هدفه بعكس الذي لا يملك هدفا، فإنه لا يهمه أن يتحقق هذا الهدف، أو لا يتحقق ويطبع الحياة هذا الطابع أو لا يطبعها، وإنما الذي يهمه هو أن يرتع ويلعب ويخوض مع الخائضين ويعبث مع العابثين.
وطبيعة هذه الحياة غير الهادفة تنتهي بالشخص إلى الضياع بعكس الذين يملكون هدفا في الحياة فلا يمكن أن يضيعوا، ولا يمكن أن تغطيهم الاتجاهات الأخرى، ولا يمكن أن يقضي التاريخ على معالمها وملامحها.
وبهذا الشكل نجد أن لا تعارض هناك بين الإنسان الهادف، والإنسان غير الهادف، وأن الإنسان الهادف يشق طريقه من بين صنوف غير الهادفين، ولذلك فالعاقبة دائما لصالح العاملين الصالحين، والنتيجة لهم ومهما تحملوا من عناء، ومهما وجدوا أذى، ومهما لاقوا من محن، ولأمر ما قال الله تعالى:
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (1).
وهذا ما يدفع العاملين أن يخوضوا ميادين الكفاح الجهاد، ولا يفكروا في راحة وسكون. فالراحة والنعيم والسكون والهدوء لم تخلق لهم ولم يخلقوا لها، وإنما خلقوا للون آخر من الحياة يملؤها النشاط والحركة والثورة، وكفاهم أن تكون النتيجة بعد ذلك بجانبهم والعاقبة لهم، وأن العمل لله.
وليس المهم بعد ذلك أن يلاقوا ألوانا من العنت والتعب، والمحنة والأذى، وأن يضحوا في سبيل ذلك بكل شئ: بأموالهم، وأولادهم ونفوسهم، وأن