وإن كان الواقف جعل في المكان دارا للحديث الشريف النبوي، فيقول: وأما المكان الفلاني الذي هو من حقوق المدرسة المشار إليها: فإن الواقف المذكور - وفر الله له الأجور - وقفه دارا للحديث الشريف. وقرر فيه عشرين رجلا مثلا، من رجال الحديث الشريف النبوي، على قائله أفضل الصلاة والسلام. يقرؤون الحديث الشريف النبوي قراءة صحيحة متقنة، خالية من اللحن والتبديل، يجلسون على الكراسي المنصوبة لذلك بالمدرسة، أو بالدار المشار إليها، في كل أسبوع سبع مرات، كل يوم مرة، يجلس كل منهم صبيحة كل يوم على كرسيه يقرأ الحديث بحضور من يجتمع إليه من المسلمين من الكتب الشريفة، كالجامع الصحيح لحافظ الاسلام محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، وكتاب المصابيح للبغوي، وكتاب الأذكار للنووي، وغير ذلك من الكتب المشهورة المأثورة عن العلماء الصالحين، والمواعظ الحسنة البليغة. وقبل صلاة الجمعة من حين التذكير إلى وقت التأذين، وأن يصرف لكل واحد منهم كذا في كل شهر من شهور الأهلة. ويكمل على نحو ما تقدم شرحه ويؤرخ.
وصورة وقف بيمارستان، رتبه بعض الملوك لمرضى المسلمين.
الحمد لله شرف بقاع الأرض بعبادته، وفضل بعضها على بعض بحلول أهل طاعته، وجعل منها ما هو مأوى الفقراء المنقطعين إلى الله وعبادته، ومنها ما هو مضجعا للضعفاء في أرجائه. فمنهم من حكم عليه بالوفاة، ومنهم من حكم بتأخيره إلى أجل مسمى على وفق حكمته وإرادته. نحمده على ما من به من ابتداء عنايته، ونشكره على ما أولانا من نهاية هدايته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في شهادته، متبع رشدا في ابتداء عمله وإعادته. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بكرامته، والمبعوث إلى كافة الأمم برسالته، (ص) وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن الصدقة من أعظم القربات المقربة إلى الله المؤذنة بالفوز، بجزيل الأجر والثواب من الله، خصوصا صدقات الأوقاف الجارية. يبلى ابن آدم وينقطع عمله من الدنيا وهي مستمرة باقية، ويجدها في الآخرة جنة واقية، كما ورد في صحيح السنة من قول سيد المرسلين: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث - وعد منها الصدقة الجارية لا سيما وقف يتوصل به إلى حياة النفوس، وإسباغ أنواع البر والاحسان على