ولاه بسر بن أرطأة على المدينة بعد أن بعثه معاوية إلى أهل الحجاز يفعل فعلاته بهم وبأموالهم وذراريهم - وكذلك كان مروان ينيبه عنه على ولاية المدينة، ثم زادت أياديهم عليه فبنوا له قصرا بالعقيق وأقطعوه أرضا بالعقيق وبذي الحليفة، ولم يكتفوا بذلك بل زوجوه بسرة بنت غزوان أخت الأمير عتبة بن غزوان وهي التي كان يخدمها أيام عريه وفقره بطعام بطنه (1).
ولقد استخفه أشره وزهوه، ونم عليه أصله ونحيزته، فخرج عن حدود الأدب والوقار مع هذه السيدة الكريمة، فكان يقول بعد هذا الزواج الذي ما كان ليحلم به:
" إني كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني، فكنت إذا ركبوا سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم - والآن تزوجتها، فأنا الآن أركب فإذا نزلت خدمتني! " ويقول:
وكانت إذا أتت على مكان سهل نزلت فقالت لا أريم حتى تجعل لي عصيدة!
فها أنا إذا أتيت على نحو من مكانها قلت لها: لا أريم حتى تجعلي لي عصيدة!
ومما أخرجه ابن سعد أنه قال: أكريت نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي.. فكانت تكلفني أن أركب قائما وأورد حافيا، فلما كان بعد ذلك زوجنيها الله فكلفتها أن تركب قائمة وأن تورد حافية (2).
ولم يكن ما قدم أبو هريرة لمعاوية جهادا بسيفه أو بماله، وإنما كان جهاده أحاديث ينشرها بين المسلمين يخذل بها أنصار علي ويطعن فيها عليه، ويجعل الناس يبرؤون منه، ويشيد بفضل معاوية ودولته.
وقد كان مما رواه أحاديث في فضل عثمان ومعاوية وغيرهما ممن يمت بأواصر القربى إلى آل أبي العاص وسائر بني أمية.
روى البيهقي عنه أنه لما دخل دار عثمان وهو محصور، استأذن في الكلام ولما أذن له قال: إني سمعت رسول الله يقول، إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا،