تعالى فخرج كلامهم عن كونه قذفا وصار شهادة شرعا فعند النقصان بقي قذفا حقيقة فيوجب الحد ولو شهد ثلاثة على الزنا وشهد رابع على شهادة غيره تحد الثلاثة لان شهادتهم صارت قذفا لنقصان العدد ولا حد على الرابع لأنه لم يقذف بل حكى قذف غيره ولو علم أن أحد الأربع عبد أو مكاتب أو صبي أو أعمى أو محدود في قذف حدوا جميعا لان الصبي والعبد ليست لهما أهلية الشهادة أصلا ورأسا فانتقص العدد فصار كلامهم قذفا والأعمى والمحدود في القذف ليست لهم أهلية الشهادة أو إن كانت لهم أهلية الشهادة تحملا وسماعا فقصرت أهليتهما للشهادة فانتقص العدد فصار كلامهم قذفا وسواء علم ذلك قبل القضاء أو بعد القضاء قبل الامضاء وان علم ذلك بعد الامضاء فإن كان الحد جلدا فكذلك يحدون ولا يضمنون أرش الضرب في قول أبي حنيفة وعندهما يجب في بيت المال على ما ذكرنا في كتاب الرجوع عن الشهادات وإن كان رجما لا يحدون لأنه تبين ان كلامهم وقع قذفا ومن قذف حيا ثم مات المقذوف سقط الحد وتكون الدية في بيت المال لان الخطأ حصل من القاضي وخطأ القاضي على بيت المال لأنه عامل لعامة المسلمين وبيت المال مال المسلمين ولو شهد الزوج وثلاثة نفر حد الثلاثة ولا عن الزوج امرأته لان قذف الزوج يوجب اللعان لا الحد فانتفض العدد في حق الباقين فصار كلامهم قذفا فيحدون حد القذف ولو علم أن الشهود الأربعة عبيد أو كفار أو محدودون في قذف أو عميان يحدون حد القذف وان علم أنهم فساق لا يحدون والفرق ما ذكرنا أن العبد والكافر لا شهادة لهما أصلا والأعمى والمحدود في القذف لهما شهادة سماعا وتحملا لا أداء فكان كلامهم قذفا والفاسق له شهادة على أصل أصحابنا سماعا وإذا كان كلام الفاسق شهادة لا قذفا فلا يحدون حد القذف والله تعالى أعلم ولو ادعى المشهود عليه أن أحد الشهود الأربعة عبد فالقول قوله حتى يقيم البينة أنه حر لما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال الناس أحرار الا في أربع الشهادة والقصاص والعقل والحدود والمعنى فيه ما ذكرنا في غير موضع (ومنها) اتحاد المجلس وهو أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد عند أداء الشهادة فان جاؤوا متفرقين يشهدون واحدا بعد واحد لا تقبل شهادتهم ويحدون وان كثروا لما ذكرنا أن كلامهم قذف حقيقة وإنما يخرج عن كونه قذفا شرعا بشرط أن يكونوا مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة فإذا انعدمت هذه الشريطة بقي قذفا فيوجب الحد حتى لو جاؤوا مجتمعين أو متفرقين وقعدوا في موضع الشهود في ناحية من المسجد ثم جاؤوا واحدا بعد واحد وشهدوا جازت شهادتهم لوجود اجتماعهم في مجلس واحد وقت الشهادة إذ المسجد كله مجلس واحد وإن كانوا خارجين من المسجد فجاء واحد منهم ودخل المسجد وشهد ثم جاء الثاني والثالث والرابع يضربون الحد وإن كانوا مثل ربيعه ومضر هكذا روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال لو جاء ربيعة ومضر فرادى لحددتهم عن آخرهم وإنما قال ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد منهم فيكون اجماعا منهم والله تعالى أعلم (ومنها) أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يتصور منه الوطئ فإن كان ممن لا يتصور منه كالمجبوب لا تقبل شهادتهم ويحدون حد القذف ولو كان المشهود عليه خصيا أو عنينا قبلت شهادتهم ويحد لتصور الزنا منهما لقيام الآلة بخلاف المجبوب (ومنها) أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة فإن كان ممن لا يقدر كالأخرس لا تقبل شهادتهم لان من الجائز أنه لو كان قادرا لادعى شبهة ولو كان المشهود عليه بالزنا أعمى قبلت شهادتهم لان الأعمى قادر على دعوى الشبهة لو كانت عنده شبهة ولو شهدوا بالزنا ثم قالوا تعمدنا النظر إلى فرجها لا تبطل شهادتهم لان أداء الشهادة لا بد له من التحمل ولا بد للتحمل من النظر إلى عين الفرج ويباح لهم النظر إليها لقصد إقامة الحسبة كما يباح للطبيب لقصد المعالجة ولو قالوا نظرنا مكررا بطلب شهادتهم لأنه سقطت عدالتهم والله تعالى أعلم (ومنها) اتحاد المشهود وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد فان اختلفوا لا تقبل شهادتهم وعلى هذا يخرج ما إذا شهد اثنان أنه زنى في مكان كذا وشهد آخران أنه زنى في مكان آخر والمكانان متباينان بحيث يمتنع أن يقع فيهما فعل واحد عادة كالبلدين والدارين والبيتين لا تقبل شهادتهم ولا حد على المشهود عليه لأنهم شهدوا بفعلين مختلفين لاختلاف المكانين وليس
(٤٨)