الشهادة على السرقة لان قبول الشهادة يقف على دعوى صحيحة فيما تشترط فيه الدعوى فبقي مدعيا أخذ المال لا غير فتقبل الشهادة حسبة إذ التقادم لا يمنع قبول الشهادة على الأموال بخلاف حد القذف لان المقذوف ليس بمخير بين بدل النفس وبين إقامة الحد بالدعوى بل الواجب عليه دفع العار عن نفسه ودعوى القذف فلا يتهم بالتأخير فكانت الدعوى صحيحة منه والشيخ منصور الماتريدي رحمه الله أشار إلى معنى آخر في شرح الجامع الصغير حكيته بلفظه وهو أن عادة السراق الاقدام على السرقة في حال الغفلة وانتهاز الفرصة في موضع الخفية وصاحب الحق لا يطلع على من شهد ذلك ولا يعرفهم الا بهم وبخبرهم فإذا كتموا أثموا وقد يعلم المدعى شهوده في غير ذلك من الحقوق ويطلبها إذا احتاج إليها فكانوا في سعة من تأخيرها وإذا بطلت الشهادة على السرقة بالتقادم قبلت في حق المال لان بطلانها في حق الحد لتمكن الشبهة فيها والحد لا يثبت مع الشبهة وأما المال فيثبت معها ثم التقادم إنما يمنع قبول الشهادة في الحدود الثلاثة إذا كان التقادم في التأخير من غير عذر ظاهر فأما إذا كان لعذر ظاهر بأن كان المشهود عليه في موضع ليس فيه حاكم فحمل إلى بلد فيه حاكم فشهدوا عليه جازت شهادتهم وان تأخرت لان هذا موضع العذر فلا يكون التقادم فيه مانعا ثم لم يقدر أبو حنيفة رحمه الله للتقادم تقديرا وفوض ذلك إلى اجتهاد كل حاكم في زمانه فإنه روى عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال كان أبو حنيفة رحمه الله لا يوقت في التقادم شيئا وجهدنا به أن يوقت فأبى وأبو يسف ومحمد رحمهما الله قد رآه بشهر فإن كان شهرا أو أكثر فهو متقادم وإن كان دون شهر فليس بمتقادم لان الشهر أدنى الأجل فكان ما دونه في حكم العاجل ولأبي حنيفة رحمه الله أن التأخير قد يكون لعذر والاعذار في اقتضاء التأخير مختلفة فتعذر التوقيت فيه ففوض إلى اجتهاد القاضي فيما يعد ابطاء ومالا يعد وإذا لم تقبل شهادة الشهود بزنا متقادم هل يحدون حد القذف حكى الحسن بن زياد أنهم يحدون وتأخيرهم محمول على اختيار جهة الستر فخرج كلامهم عن كونه شهادة فبقي قذفا فيوجب الحد وقال الكرخي رحمه الله الظاهر أنه لا يجب عليهم الحد وهكذا ذكر القاضي في شرحه أنه لا حد عليهم لان تأخيرهم وان أورث تهمة وشبهة في الشهادة فاصل الشهادة باق فلما اعتبرت الشبهة في اسقاط حد الزنا عن المشهود عليه فلان تعتبر حقيقة الشهادة لاسقاط حد القذف عن الشهود أولى (ومنها) قيام الرامحة وقت أداء الشهادة في حد الشرب في قولهما وعند محمد ليس بشرط والحجج ستأتي في موضعها (ومنها) عدد الأربع في الشهود في حد الزنا لقوله عز اسمه واللاتي يأتين بفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وقوله سبحانه وتعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء وقوله تبارك وتعالى لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء ولان الشهادة أحد نوعي الحجة فيعتبر بالنوع الآخر وهو الاقرار وهناك عدد الأربع شرط كذا ههنا بخلاف سائر الحدود فان عدد الأقارير الأربع لم يشترط فيها فكذا عدد الأربع من الشهود ولان اشتراط عدد الأربع في الشهادة يثبت معدولا به عن القياس بالنص والنص ورد في الزنا خاصة فان شهد على الزنا أقل من أربعة لم تقبل شهادتهم لنقصان العدد المشروط وهل يحدون حد القذف قال أصحابنا يحدون وقال الشافعي رحمه الله إذا جاؤوا مجئ الشهود لم يحدوا وعلى هذا الخلاف إذا شهد ثلاثة وقال الرابع رأيتهما في لحاف واحد ولم يزد عليه أنه يحد الثلاثة عندنا ولا حد على الرابع لأنه لم يقذف الا إذا كان قال في الابتداء أشهد أنه قد زنى فسر الزنا بما ذكر فحينئذ يحد (وجه) قول الشافعي رحمه الله أنهم إذا جاؤوا مجئ الشهود كان قصدهم إقامة الشهادة حسبة لله تعالى لا القذف فلم يكن جناية فلم يكن قذفا (ولنا) ما روى أن ثلاثة شهدوا على مغيرة بالزنا فقام الرابع وقال رأيت أقداما بادية ونفسا عاليا وأمرا منكرا ولا أعلم ما وراء ذلك فقال سيدنا عمر رضي الله عنه له الحمد لله الذي لم يفضح رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وحد الثلاثة وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون اجماعا ولان الموجود من الشهود كلام قذف حقيقة إذ القذف هو النسبة إلى الزنا وقد وجد من الشهود حقيقة فيدخلون تحت آية القذف الا أنا اعتبرنا تمام عدد الأربع إذا جاؤوا مجئ الشهود فقد قصدوا إقامة الحسبة واجبا حقا لله
(٤٧)