أوجبت بطلان حكم ثابت في المحل وهو الملك فلان توجب بطلان مجرد كلام من غير حكم أصلا أولى ثم وجه الدلالة منها على التفصيل ان كل واحد منها تبديل العين وتصييرها شيئا آخر معنى واسما فكان استهلاكا لها من حيث المعنى فكان دليل الرجوع فصار كالمشترى بشرط الخيار إذا فعل في المبيع فعلا يدل على ابطال الخيار يبطل خياره والأصل في اعتبار الدلالة إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للمخيرة ان وطئك زوجك فلا خيار لك ولو أوصى بقميص ثم نقضه فجعله قباء فهو رجوع لان الخياطة في ثوب غير منقوض دليل الرجوع فمع النقض أولى وان نقضه ولم يخطه لم يذكر في الكتاب واختلف المشايخ فيه والأشهر انه ليس برجوع لأن العين بعد النقض قائمة تصلح لما كانت تصلح له قبل النقض ولو باع الموصى به أو أعتقه أو أخرجه عن ملكه بوجه من الوجوه كان رجوعا لأن هذه التصرفات وقعت صحيحة لمصادفتها نفسه فأوجبت زوال الملك فلو بقيت الوصية مع وجودها لتعينت في غير ملكه ولا سبيل إليه ولو باع الموصى به ثم اشتراه أو وهبه وسلم ورجع في الهبة لا تعود الوصية لأنها قد بطلت بالبيع والهبة مع التسليم لزوال الملك والعائد ملك جديد غير موصى به فلا تصير موصى به لان بوصية جديدة ولو أوصى بعبد فغصبه رجل ثم رده بعينه فالوصية على حالها لأن الغصب ليس فعل الموصى والموصى به على حاله فبقيت الوصية الا إذا استهلكه الغاصب أو هلك في يده فتبطل الوصية لبطلان محل الوصية وكذا لو أوصى بعبد ثم دبره أو كاتبه أو باع نفسه منه كان رجوعا لان التدبير اعتاق من وجه أو مباشرة سبب لازم لا يحتمل الفسخ والنقض وكل ذلك دليل الرجوع والمكاتبة معاوضة الا أن العوض متأخر إلى وقت أداء البدل فكان دليل الرجوع كالبيع وبيع نفس العبد منه اعتاق فكان رجوعا ولو أوصى بعبد لانسان ثم أوصى أن يباع من إنسان آخر لم يكن رجوعا وكانت الوصية لهما جميعا لأنه لا تنافى بين الوصيتين لان كل واحدة منهما تمليك الا أن إحداهما تمليك بغير بدل والأخرى تمليك ببدل فيكون العبد بينهما نصفه للموصى له به ونصفه يباع للموصى له بالبيع ولو أوصى أن يعتق عبده ثم أوصى بعد ذلك أن يباع من فلان أو أوصى أولا بالبيع ثم أوصى بالاعتاق كان رجوعا لما بين الوصيتين من التنافي إذ لا يمكن الجمع بين الاعتاق والبيع فكان الاقدام على الثانية دليل الرجوع عن الأولى وهذا هو الأصل في جنس هذه المسائل انه إذا أوصى بوصيتين متنافيتين كانت الثانية مبطلة للأولى وهو معنى الرجوع وإن كانتا غير متنافيتين نفذتا جميعا ولو أوصى بشاة ثم ذبحها كان رجوعا لان الملك في باب الوصية يثبت عند الموت والشاة المذبوحة لا تبقى إلى وقت الموت عادة بل تفسد فكان الذبح دليل الرجوع ولو أوصى بثوب ثم غسله أو بدار ثم جصصها أو هدمها لم يكن شئ من ذلك رجوعا لان الغسل إزالة الدرن والوصية لم تتعلق به فلم يكن الغسل تصرفا في الموصى به وتجصيص الدار ليس تصرفا في الدار بل في البناء لان الدار اسم للعرصة والبناء بمنزلة الصفة فيكون تبعا للدار والتصرف في التبع لا يدل على الرجوع عن الأصل ونقض البناء تصرف في البناء والبناء صفة وانها تابعة ولو أوصى لرجل أن يشترى له عبدا بعينه ثم رجع العبد إلى الموصى بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث فالوصية لا تبطل ويجب تنفيذها لان الوصية ما وقعت بثمن العبد بل بعين العبد وهو مقصود الموصى وإنما ذكر الشراء للتوسل به إلى ملكه وقد ملكه فتنفذ فيه الوصية ولو أوصى به بشئ لانسان ثم أوصى به لآخر فجملة الكلام فيه انه إذا أعاد عند الوصية الثانية الوصية الأولى والموصى له الثاني محل قابل للوصية كان رجوعا وكان اشراكا في الوصية وبيان هذه الجملة إذا قال أوصيت بثلث مالي لفلان ثم قال أوصيت بثلث مالي لفلان آخر ممن تجوز له الوصية فالثلث بينهما نصفان وكذا لو قال أوصيت بهذا العبد لفلان وهو يخرج من الثلث ثم قال أوصيت به لفلان آخر ممن تجوز له الوصية كان العبد بينهما نصفين ولو قال أوصيت بثلث مالي لفلان أو بعبدي هذا لفلان ثم قال الذي أوصيت به لفلان أو العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا عن الأولى وامضاء للثانية وإنما كان كذلك لان الأصل في الوصية بشئ لانسان ثم الوصية به لآخر هو الاشراك لان فيه عملا بالوصيتين بقدر الامكان والأصل في تصرف العاقل صيانته عن الابطال ما أمكن وفى الحمل على الرجوع ابطال احدى الوصيتين من كل وجه وفى الحمل على
(٣٧٩)