(وجه) ما ذكر في الأصل ان معنى الرجوع عن الوصية هو فسخها وابطالها وفسخ العقد كلام يدل على عدم الرضايا بالعقد السابق وبثبوت حكمه والجحود في معناه لان الجاحد لتصرف من التصرفات غير راض وبه بثبوت حكمه فيتحقق فيه معنى الفسخ فحصل معنى الرجوع وروى عن ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى لو أن رجلا أوصى بوصايا إلى رجل فقيل له انك ستبرأ فاخر الوصية فقال أخرتها فهذا ليس برجوع ولو قيل له اتركها فقال قد تركتها فهذا رجوع لان الرجوع عن الوصية هو ابطال الوصية والتأخير لا ينبئ عن الابطال والترك ينبئ عنه ألا يرى أنه لو قال أخرت الدين كان تأجيلا له لا ابطالا ولو قال تركته كان ابراء روى بشر عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رجل أوصى بثلث ماله لرجل مسمى وأخبر الموصى أن ثلث ماله ألف أو قال هو هذا فإذا ثلث ماله أكثر من ألف فان أبا حنيفة رحمه الله قال إن له الثلث من جميع ماله والتسمية التي سمى باطلة لا ينقض الوصية خطؤه في ماله إنما غلط في الحساب ولا يكون رجوعا في الوصية (وهذا) قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لأنه لما أوصى بثلث ماله فقد أتى بوصية صحيحة لان صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به فوقعت الوصية صحيحة بدونه ثم بين المقدار وغلط فيه والغلط في قدر الموصى به لا يقدح في أصل الوصية فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال ولأنه يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور ويحتمل أن يكون غلطا فوقع الشك في بطلان الوصية فلا تبطل مع الشك على الأصل المعهود ان الثابت بيقين لا يزول بالشك ولو قال أوصيت بغنمي كلها وهي مائة شاة فإذا هي أكثر من مائة وهي تخرج من الثلث فالوصية جائزة من جميعها لما ذكرنا انه أوصى بجميع غنمه ثم غلط في العدد قال ولو قال أوصيت له بغنمي وهي هذه وله غنم غيرها تخرج من الثلث فان هذا في القياس مثل ذلك ولكني أدع القياس في هذا وأجعل له الغنم التي تسمى من الثلث لأنه جمع بين التسمية والإشارة وكل واحد منهما للتعيين غير أن هذه الإشارة أقوى لأنها تحصر العين وتقطع الشركة فتعلقت الوصية بالمشار إليه فلا يستحق الموصى له غيره بخلاف ما إذا قال أوصيت له بثلث مالي وهو هذا وله مال آخر غيره انه يستحق ثلث جميع المال لان الإشارة هناك لم تصح لأنه قال ثلث مالي والثلث اسم للشائع والمعين غير الشائع فلغت الإشارة فتعلقت الوصية بالمسمى وهو ثلث المال وههنا صحت وصية الإشارة وهي أقوى من التسمية فتعلقت الوصية بالمشار إليه ولو قال قد أوصيت لفلان برقيقي وهم ثلاثة فإذا هم خمسة جعلت الخمسة كلهم في الثلث لأنه أوصى برقيقه كلهم لكنه غلط في عددهم والغلط في العدد لا يمنع استحقاق الكل بالوصية العامة ولو أوصى بثلث ماله لبنى عمرو بن حماد وهم سبعة فإذا بنوه خمسة كان الثلث كله لهم لأنه جعل الثلث لبنى عمرو بن حماد ثم وصف بنيه وهم خمسة بأنهم سبعة غلطا فيلغو الغلط ويلحق بالعدم كأنه لم يتكلم به لأنه لما قال وهم سبعة ولم يكونوا الا خمسة فقد أوصى لخمسة موجودين ولمعدومين ومتى جمع بين موجود ومعدوم وأوصى لهما يلغو ذكر المعدوم وتكون الوصية للموجود كما لو قال أوصيت بثلث مالي لعمرو خالدا بنى فلان فإذا أحدهما ميت ان الثلث كله للحي منهما كذا هذا وكذلك لو قال لبنى فلان وهم خمسة فإذا هم ثلاثة أو قال وهم سبعة فإذا هم ثلاثة أو اثنان لما قلنا ولو قال أوصيت بثلث مالي لبنى فلان وله ثلاث بنين أو ابنان كان جميع الثلث لهم لان الثلاث يقال لهم بنون والاثنان في هذا الباب ملحق بالجميع لان الوصية أخت الميراث وهناك الحق الاثنتان بالثلاث في حق استحقاق الثلثين كذا هذا ولو كان لفلان ابن واحد استحق نصف الثلث لأنه جعل الثلث للبنين والواحد لا ينطلق عليه اسم البنين لغة ولا له حكم الجماعة في باب الوصية والميراث فلا يستحق الكل وإنما صرف إليه نصف الثلث لان أقل من يستحق كمال الثلث في هذا الباب اثنان ولو كان معه آخر لصرف إليهما كمال الثلث فإذا كان وحده يصرف إليه نصف الثلث ولو قال قد أوصيت بثلث مالي لابني فلان عمرو وحماد فإذا ليس له الا عمرو كان جميع الثلث له لأنه جعل عمرا وحمادا بدلين عن قوله ابني فلان كما يقال جاءني أخوك عمرو والبدل عند أهل النحو هو الاعراض عن قوله الأول والاخذ بالثاني فكان المعتبر هو الثاني والأول يلغو كما إذا قلت جاءني أخوك زيد يصير كأنك قلت جاءني زيد واعتمدت عليه وأعرضت
(٣٨١)