لأنه تسبب في اتلافهما والاتلاف تسبيبا يوجب الضمان كحفر البئر ونحو ذلك صبي في يد أبيه جذبه رجل من يده والأب يمسكه حتى مات فديته على الذي جذبه ويرثه أبوه لان الأب محق في الامساك والجاذب متعد في الجذب فالضمان عليه ولو تجاذب رجلا صبيا وأحدهما يدعى انه ابنه والاخر يدعى انه عبده فمات من جذبهما فعلى الذي يدعى انه عبده ديته لأنه متعد في الجذب لان المتنازعين في الصبي إذا زعم أحدهما انه أبوه فهو أولى به من الذي يدعى انه عبده فكان امساكه بحق وجذب الآخر بغير حق فيضمن رجل في يده ثوب تشبث به رجل فجذبه صاحب الثوب من يده فخرق الثوب ضمن الممسك نصف الخرق لان حق صاحب الثوب في دفع الممسك وعليه دفعه بغير جذب فإذا جذب فقد حصل التلف من فعلهما فانقسم الضمان بينهما رجل عض ذراع رجل فجذب المعضوض ذراعه من فيه فسقطت أسنان العاض وذهب لحم ذراع هذا تهدر دية الأسنان ويضمن العاض أرش الذراع لان العاض متعد في العض والجاذب غير متعد في الجذب لان العض ضرر وله ان يدفع الضرر عن نفسه رجل جلس إلى جنب رجل فجلس على ثوبه وهو لا يعلم فقام صاحب الثوب فانشق ثوبه من جلوس هذا عليه يضمن الجالس نصف ذلك لان التلف حصل من الجلوس والجذب والجالس متعد في الجلوس إذ لم يكن له أن يجلس عليه فكان التلف حاصلا من فعليهما فينقسم الضمان عليهما رجل أخذ بيد انسان فصافحه فجذب يده من يده فانقلب فمات فلا شئ عليه لان الآخذ غير متعد في الاخذ للمصافحة بل هو مقيم سنة وإنما الجاذب هو الذي تعدى على نفسه حيث جذب يده لا لدفع ضرر لحقه من الآخذ وإن كان أخذ يده ليعصرها فآذاه فجر يده ضمن الآخذ ديته لأنه هو المتعدى وإنما صاحب اليد دفع الضرر عن نفسه بالجر وله ذلك فكان الضمان على المتعدى فان انكسرت يد الممسك وهو الآخذ بالجذب لم يضمن الجاذب لان التعدي من الممسك فكان جانيا على نفسه فلا ضمان على غيره والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الثاني فنحو جناية الحافر ومن في معناه ممن يحدث شيئا في الطريق أو المسجد وجناية السائق والقائد وجناية الناخس وجناية الحائط (أما) جناية الحافر فالحفر لا يخلو (اما) إن كان في غير الملك أصلا (واما) إن كان في الملك فإن كان في غير الملك ينظر إن كان في غير الطريق بأن كان في المفازة لا ضمان على الحافر لان الحفر ليس بقتل حقيقة بل هو تسبيب إلى القتل الا ان التسبيب قد يلحق بالقتل إذا كان المسبب متعديا في التسبيب والمتسبب ههنا ليس بمتعد لان الحفر في المفازة مباح مطلق فلا يلحق به فانعدم القتل حقيقة وتقديرا فلا يجب الضمان وإن كان في طريق المسلمين فوقع فيها انسان فمات فلا يخلو اما ان مات بسبب الوقوع واما ان مات غما أو جوعا فان مات بسبب الوقوع فالحافر لا يخلو اما إن كان حرا واما إن كان عبدا فإن كان حرا يضمن الدية لان حفر البئر على قارعة الطريق سبب لوقوع المار فيها إذا لم يعلم وهو متعد في هذا التسبيب فيضمن الدية وتتحمل عنه العاقلة لان التحمل في القتل الخطأ المطلق للتخفيف على القاتل نظرا له والقتل بهذه الطريق دون القتل الخطأ فكانت الحاجة إلى التخفيف أبلغ ولا كفارة عليه لان وجوبها متعلق بالقتل مباشرة والحفر ليس بقتل أصلا حقيقة الا انه الحق بالقتل في حق وجوب الدية فبقي في حق وجوب الكفارة على الأصل ولان الكفارة في الخطأ المطلق إنما وجبت شكر النعمة الحياة بالسلامة عند وجود سبب فوت السلامة وذلك بالقتل فإذا لم يوجد لم يجب الشكر وكذا لا يحرم الميراث إن كان وارثا للمجني عليه ولا الوصية إن كان أجنبيا لان حرمان الميراث والوصية حكم متعلق بالقتل قال النبي عليه الصلاة والسلام لا ميراث لقاتل وقال عليه الصلاة والسلام لا وصية لقاتل ولم يوجد القتل حقيقة وان مات غما أو جوعا فقد اختلف أصحابنا فيه قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يضمن وقال محمد يضمن وقال أبو يوسف رحمه الله ان مات غما يضمن وان مات جوعا لا يضمن (وجه) قول محمد رحمه الله ان الضمان عند الموت بسبب السقوط إنما وجب لكون الحفر تسبيبا إلى الهلاك ومعنى التسبيب موجود ههنا لان الوقوع سبب الغم والجوع لان البئر يأخذ نفسه وإذا طال مكثه يلحقه الجوع والوقوع بسبب الحفر فكان مضافا إليه كما إذا حبسه في موضع حتى مات (وجه) قول أبى يوسف ان الغم من آثار
(٢٧٤)