نفسه حيث جر الثالث على نفسه فهدر دمه وان علم أنه مات بسقوطه في البئر ووقوع الثالث عليه فالنصف هدر والنصف على الأول لأنه مات بشيئين أحدهما فعل نفسه وهو جره الثالث على نفسه وجنايته على نفسه هدر والثاني فعل غيره وهو جر الأول وايقاعه في البئر وأما موت الثالث فله وجه واحد لا غير وهو سقوطه في البئر وديته على الثاني لأنه هو الذي جره إلى البئر وأوقعه فيه هذا كله إذا علم حال وقوعهم وأما إذا لم يعلم فلا يخلوا اما ان وجد بعضهم على بعض واما ان وجدوا متفرقين فإن كانوا متفرقين فدية الأول على الحافر ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني وإن كان بعضهم على بعض فالقياس هكذا أيضا وهو أن يكون دية الأول على الحافر ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني وهو قول محمد رحمه الله وفى الاستحسان دية الأول أثلاث ثلث على الحافر وثلث على الثاني وثلث هدر ودية الثاني نصفان نصف هدر ونصف على الأول ودية الثالث كلها على الثاني ولم يذكر محمد رحمه الله في الاستحسان انه قول من وجه القياس انه وجد لموت كل واحد سبب ظاهر وهو الحفر للأول والجر من الأول للثاني والجر من الثاني للثالث وإضافة الأحكام إلى الأسباب الظاهرة أصل في الشريعة (وجه) الاستحسان انه اجتمع في الأول ثلاثة أسباب كل واحد منها صالح للموت وقوعه في البئر ووقوع الثاني ووقوع الثالث عليه الا ان وقوع الثاني عليه حصل بجره إياه على نفسه فهدر الثلث وبقى الثلثان وبقى الثلثان ثلث على الحافر بحفره وثلث على الثاني بجره الثالث على نفسه ووجد في الثاني شيئان الحفر ووقوع الثالث عليه الا ان وقوعه عليه حصل بجره فهدر نصف الدية وبقى النصف على الحافر ولم يوجد في الثالث الا سبب واحد وهو جر الثاني إياه إلى البئر والأصل في الأسباب اعتبارها ما أمكن واعتبارها يقتضى أن يكون الحكم ما ذكرنا والله تعالى أعلم ولو استأجر رجلا ليحفر له بئرا في الطريق فحفر فوقع فيها انسان فإن كانت البئر في فناء المستأجر فالضمان عليه لا على الأجير لان له ولاية الانتفاع بفنائه إذا لم يتضمن الضرر بالمارة على أصلهما مطلقا وعلى أصل أبي حنيفة رحمه الله إذا لم يمنع منه مانع فانصرف مطلق الامر بالحفر إليه فإذا حفر في فنائه انتقل فعل المأمور إليه كأنه حفر بنفسه فوقع فيها انسان ولو كان كذلك وجب الضمان عليه كذا هذا وان لم يكن ذلك في فنائه فان أعلم المستأجر الأجير ان ذلك ليس من فنائه فالضمان على الأجير لا على الآمر لان الأجير لم يحفر بأمره فبقي فعله مقصورا عليه كأنه ابتدأ الحفر من نفسه من غير أمر فوقع فيها انسان وان لم يعلمه فالضمان على الآمر لأنه غره بالامر بحفر البئر في الطريق مطلقا إنما يأمر بما يملكه مطلقا عادة فيلزمه ضمان الغرور هو ضمان الكفالة في الحقيقة كأنه ضمن له ما يلزمه من الحفر بمنزلة الضمان ضمان الدرك ولو أمر عبده ان يحفر بئرا في الطريق فحفر فوقع فيها انسان فإن كان الحفر في فنائه فالضمان على عاقلة المولى لأنه يملك الامر بالحفر في هذا المكان فينتقل فعله إلى المولى كأنه حفر بنفسه وإن كان في غير فنائه فالضمان في رقبة العبد يخاطب المولى بالدفع أو الفداء لان الامر بالحفر لا ينصرف إلى غير فنائه فصار مبتدئا في الحفر بنفسه سواء أعلم العبد أنه ليس من فنائه أو لم يعلمه بخلاف الأجير لان وجوب الضمان على الآمر هناك بمعنى الغرور على ما بينا ولا يتحقق الغرور فيما بين العبد وبين مولاه فيستوى فيه العلم والجهل وإن كان الحفر في الملك فإن كان في ملك غيره بان حفر بئرا في دار انسان بغير اذنه فوقع فيها انسان يضمن الحافر لأنه متعد في التسبيب ولو قال صاحب الدار أنا أمرته بالحفر وأنكر أولياء الميت فالقياس أن لا يصدق صاحب الدار والقول قول الورثة وفى الاستحسان يصدق والقول قول الحافر (وجه) القياس ان الحفر وقع موجبا للضمان ظاهرا لأنه صادف ملك الغير وانه محظور فكان متعديا في الحفر من حيث الظاهر فصاحب الدار بالتصديق يريد ابراء الجاني عن الضمان فلا يصدق (وجه) الاستحسان ان قول صاحب الدار أمرته بذلك اقرار منه بما يملك انشاءه للحال وهو الامر بالحفر فيصدق وإن كان في ملك نفسه لا ضمان عليه لان الحفر مباح مطلق له فلم يكن متعديا في التسبيب وإن كان في فنائه يضمن لان الانتفاع به مباح بشرط السلامة كالسير في الطريق ولو استأجر أربعة يحفرون له بئرا فوقعت عليهم من حفرهم فمات أحدهم فعلى كل واحد من الثلاثة ربع الدية وهدر
(٢٧٧)