سماها زانية الا ان زنا الرجل بالايلاج وزناها بالتمكين والتمكين فعل منها لكنه فعل سكوت فاحتمل الوصف بالحظر والحرمة فينبغي ان لا يختلف فيه حكم الرجل والمرأة فلا يرخص للمرأة كما لا يرخص للرجل والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الحكم الذي يرجع إلى الدنيا في الأنواع الثلاثة اما النوع الأول فالمكره على الشرب لا يجب عليه الحد إذا كان الاكراه تاما لان الحد شرع زاجرا عن الجناية في المستقبل والشرب خرج من أن يكون جناية بالاكراه وصار مباحا بل واجبا عليه على ما مر وإذا كان ناقصا يجب لان الاكراه الناقص لم يوجب تغير الفعل عما كان عليه قبل الاكراه بوجه ما فلا يوجب تغير حكمه والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) النوع الثاني فالمكره على الكفر لا يحكم بكفره إذا كان قلبه مطمئنا بالايمان بخلاف المكره على الايمان أنه يحكم بايمانه والفرق بينهما من وجهين أحدهما ان الايمان في الحقيقة تصديق والكفر في الحقيقة تكذيب وكل ذلك عمل القلب والاكراه لا يعمل على القلب فإن كان مصدقا بقلبه كان مؤمنا لوجود حقيقة الايمان وإن كان مكذبا بقلبه كان كافرا لوجود حقيقة الكفر الا أن عبارة اللسان جعل دليلا على التصديق والتكذيب ظاهرا حالة الطوع وقد بطلت هذه الدلالة بالاكراه فبقي الايمان منه والكفر محتملا فكان ينبغي أن لا يحكم بالاسلام حالة الاكراه مع الاحتمال كما لم يحكم بالكفر فيها بالاحتمال الا انه حكم بذلك لوجهين أحدهما انا إنما قبلنا ظاهر ايمانه مع الاكراه ليخالط المسلمين فيرى محاسن الاسلام فيؤول أمره إلى الحقيقة وان كنا لا نعلم بايمانه لا قطعا ولا غالبا وهذا جائز ألا ترى ان الله تبارك وتعالى أمرنا في النساء المهاجرات بامتحانهن بعد وجود ظاهر الكلمة منهن بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ليظهر لنا ايمانهن بالدليل الغالب لقوله عز شأنه فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار كذا ههنا وهذا المعنى لا يتحقق في الاكراه على الكفر والثاني أن اعتبار الدليل المحتمل في باب الاسلام يرجع إلى اعلاء الدين الحق وان اعتبار الغالب يرجع إلى ضده واعلاء الدين الحق واجب قال النبي عليه الصلاة والسلام الاسلام يعلو ولا يعلى فوجب اعتبار المحتمل دون الغالب اعلاء الدين الحق وذلك في الحكم بايمان المكره على الايمان والحكم بعدم كفر المكره والله سبحانه وتعالى أعلم ولو اكره على الاسلام فأسلم ثم رجع يجبر على الاسلام ولا يقتل بل يحبس ولكن لا يقتل والقياس أن يقتل لوجود الردة منه وهي الرجوع عن الاسلام (وجه) الاستحسان انا إنما قبلنا كلمة الاسلام منه ظاهرا طمعا للحقيقة ليخالط المسلمين فيرى محاسن الاسلام فينجع التصديق في قلبه على ما مر فإذا رجع تبين أنه لا مطمع لحقيقة الاسلام فيه وانه على اعتقاده الأول فلم يكن هذا رجوعا عن الاسلام بل اظهارا لما كان في قلبه من التكذيب فلا يقتل وكذلك الكافر إذا أسلم وله أولاد صغار حتى حكم باسلامهم تبعا لأبيهم فبلغوا كفارا يجبرون على الاسلام ولا يقتلون لأنه لم يوجد منهم الاسلام حقيقة فلم يتحقق الرجوع عنه والله سبحانه وتعالى أعلم ولو اكره على أن يقر أنه أسلم أمس فاقر لا يحكم باسلامه لان الاكراه يمنع صحة الاقرار لما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وإذا لم يحكم بكفره باجراء الكلمة لا تثبت أحكام الكفر حتى لا تبين منه امرأته والقياس أن تثبت البينونة لوجود سبب الفرقة وهو الكلمة أو هي من أسباب الفرقة بمنزلة كلمة الطلاق ثم حكم تلك لا يختلف بالطوع والكره فكذا حكم هذه (وجه) الاستحسان ان سبب الفرقة الردة دون نفس الكلمة وإنما الكلمة دلالة عليها حالة الطوع ولم يبق دليلا على حالة الاكراه فلم تثبت الردة فلا تثبت البينونة ولو قال المكره خطر ببالي في قولي كفرت بالله ان أخبر عن الماضي كاذبا ولم أكن فعلت لا يصدق في الحكم ويحكم بكفره لأنه دعى إلى إنشاء الكفر وقد أخبر أنه أتى بالاخبار وهو غير مكره على الاخبار بل هو طائع فيه ولو قال طائعا كفرت بالله ثم قال عنيت به الاخبار عن الماضي كاذبا ولم أكن فعلت لا يصدق في القضاء كذا هذا ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله كلامه وإن كان خلاف الظاهر ولو أكره على الاخبار فيما مضى ثم قال ما أردت به الخبر عن الماضي فهو كافر في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه لم يجبه إلى ما دعاه إليه بل أخبر انه أنشأ الكفر طوعا ولو قال لم
(١٧٨)