يخطر ببالي شئ آخر لا يحكم بكفره لأنه إذا لم ير شيئا يحمل على الإجابة إلى ظاهر الكلمة مع اطمئنان القلب بالايمان فلا يحكم بكفره وكذلك لو أكره على الصلاة للصليب فقام يصلى فخطر بباله أن يصلى لله تعالى وهو مستقبل القبلة أو غير مستقبل القبلة فينبغي أن ينوى بالصلاة أن تكون لله عز وجل فإذا قال نويت به ذلك لم يصدق في القضاء ويحكم بكفره لأنه أتى بغير ما دعى إليه فكان طائعا والطائع إذا فعل ذلك وقال نويت به ذلك لا يصدق في القضاء كذا هذا ويصدق فيما بينه وبين الله عز شأنه لأنه نوى ما يحتمله فعله ولو صلى للصليب ولم يصل لله سبحانه وتعالى وقد خطر بباله ذلك فهو كافر بالله في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه صلى للصليب طائعا مع امكان الصلاة لله تعالى وإن كانا مستقبل الصليب فإن لم يخطر بباله شئ وصلى للصليب ظاهرا وقلبه مطمئن بالايمان لا يحكم بكفره ويحمل على الإجابة إلى ظاهر ما دعى إليه مع سكون قلبه بالايمان وكذلك لو أكره على سب النبي عليه الصلاة والسلام فخطر بباله رجل آخر اسمه محمد فسبه وأقر بذلك لا يصدق في الحكم ويحكم بكفره لأنه إذا خطر بباله رجل آخر فهذا طائع في سب النبي محمد عليه الصلاة والسلام ثم قال عنيت به غيره فلا يصدق في الحكم ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله كلامه ولو لم يقصد بالسب رجلا آخر فسب النبي عليه الصلاة والسلام فهو كافر في القضاء وفيما بينه وبين الله جل شأنه ولو لم يخطر بباله شئ لا يحكم بكفره ويحمل على جهة الاكراه على ما مر والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان الاكراه على الكفر تاما فاما إذا كان ناقصا يحكم بكفره لأنه ليس بمكره في الحقيقة لأنه ما فعله للضرورة بل لدفع الغم عن نفسه ولو قال كان قلبي مطمئنا بالايمان لا يصدق في الحكم لأنه خلاف الظاهر كالطائع إذا أجرى الكلمة ثم قال كان قلبي مطمئنا بالايمان ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى (وأما) المكره على اتلاف مال الغير إذا أتلفه يجب الضمان على المكره دون المكره إذا كان الاكراه تاما لان المتلف هو المكره من حيث المعنى وإنما المكره بمنزلة الآلة على معنى انه مسلوب الاختيار ايثارا وارتضاء وهذا النوع من الفعل مما يمكن تحصيله بآلة غيره بأن يأخذ المكره فيضربه على المال فأمكن جعله آلة المكره فكان التلف حاصلا باكراهه فكان الضمان عليه وإن كان الاكراه ناقصا فالضمان على المكره لان الاكراه الناقص لا يجعل المكره آلة المكره لأنه لا يسلب الاختيار أصلا فكان الاتلاف من المكره فكان الضمان عليه وكذلك لو أكره على أن يأكل مال غيره فالضمان عليه لان هذا النوع من الفعل وهو الاكل مما لا يعمل عليه الاكراه لأنه لا يتصور تحصيله بآلة غيره فكان طائعا فيه فكان الضمان عليه ولو أكره على أن يأكل طعام نفسه فأكل أو على أن يلبس ثوب نفسه فلبس حتى تخرق لا يجب الضمان على المكره لان الاكراه على أكل مال غيره لما لم يوجب الضمان على المكره فعلى مال نفسه أولى مع ما أن أكل نفسه ولبس ثوب نفسه ليس من باب الاتلاف بل هو صرف مال نفسه إلى مصلحة بقائه ومن صرف مال نفسه إلى مصلحته لا ضمان له على أحد ولو أذن صاحب المال المكره باتلاف ماله من غير اكراه فاتلفه لا ضمان على أحد لان الاذن بالاتلاف يعمل في الأموال لان الأموال مما تباح بالإباحة واتلاف مال مأذون فيه لا يوجب المضان والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) النوع الثالث فأما المكره على القتل فإن كان الاكراه تاما فلا قصاص عليه عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما ولكن يعزر ويجب على المكره وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجب القصاص عليهما ولكن تجب الدية على المكره وعند زفر رحمه الله يجب القصاص على المكره دون المكره وعند الشافعي رحمه الله يجب عليهما (وجه) قول الشافعي رحمه الله أن القتل اسم لفعل يفضى إلى زهوق الحياة عادة وقد وجد في كل واحد منهما الا انه حصل من المكره مباشرة ومن المكره تسبيبا فيجب القصاص عليهما جميعا (وجه) قول زفر رحمه الله ان القتل وجد من المكره حقيقة حسا ومشاهدة وانكار المحسوس مكابرة فوجب اعتباره منه دون المكره إذ الأصل اعتبار الحقيقة لا يجوز العدول عنها الا بدليل (وجه) قول أبى يوسف رحمه الله ان المكره ليس بقاتل حقيقة بل هو مسبب للقتل وإنما القاتل هو المكره حقيقة ثم لما لم يجب القصاص عليه فلان لا يجب على المكره أولى
(١٧٩)