الحسية فاما إذا كان على التصرفات الشرعية فنقول وبالله التوفيق التصرفات الشرعية في الأصل نوعان انشاء واقرار والانشاء نوعان نوع لا يحتمل الفسخ ونوع يحتمله أما الذي لا يحتمل الفسخ فالطلاق والعتاق والرجعة والنكاح واليمين والنذر والظهار والايلاء والفئ في الايلاء والتدبير والعفو عن القصاص وهذه التصرفات جائزة مع الاكراه عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا تجوز واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عفوت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فلزم أن يكون حكم كل ما استنكره عليه عفوا ولان القصد إلى ما وضع له التصرف شرط جوازه ولهذا لا يصح تصرف الصبي والمجنون وهذا الشرط يفوت بالاكراه لان المكره لا يقصد بالتصرف ما وضع له وإنما يقصد دفع مضرة السيف عن نفسه (ولنا) ان عمومات النصوص واطلاقها يقتضى شرعية هذه التصرفات من غير تخصيص وتقييد (أما) الطلاق فلقوله سبحانه وتعالى فطلقوهن لعدتهن وقوله عليه الصلاة والسلام كل طلاق جائز الاطلاق الصبي والمعتوه ولان الفائت بالاكراه ليس الا الرضا طبعا وانه ليس بشرط لوقوع الطلاق فان طلاق الهازل واقع وليس براض به طبعا وكذلك الرجل قد يطلق امرأته الفائقة حسنا وجمالا الرائقة تغنجا ودلالا لخلل في دينها وإن كان لا يرضى به طبعا ويقع الطلاق عليها وأما الحديث فقد قيل إن المراد منه الاكراه على الكفر لان القوم كانوا حديثي العهد بالاسلام وكان الاكراه على الكفر ظاهرا يومئذ وكان يجرى على ألسنتهم كلمات الكفر خطأ وسهوا فعفا الله جل جلاله عن ذلك عن هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما انا نقول بموجب الحديث ان كل مستكره عليه معفو عن هذه الأمة لكنا لا نسلم ان الطلاق والعتاق وكل تصرف قولي مستكره عليه وهذا لان الاكراه لا يعمل على الأقوال كما يعمل على الاعتقادات لان أحدا لا يقدر على استعمال لسان غيره بالكلام على تغيير ما يعتقده بقلبه جبرا فكان كل متكلم مختارا فيما يتكلم به فلا يكون مستكرها عليه حقيقة فلا يتناوله الحديث وقوله القصد إلى ما وضع له التصرف بشرط اعتبار التصرف قلنا هذا باطل بطلاق الهازل ثم إن كان شرطا فهو موجود ههنا لأنه قاصد دفع الهلاك عن نفسه ولا يندفع عنه الا بالقصد إلى ما وضع له فكان قاصدا إليه ضرورة ثم لا يخلو اما ان أكره على تنجيز الطلاق أو على تعليقة بشرط أو على تحصيل الشرط الذي علق به وقوع الطلاق وحكم الجواز لا يختلف في نوعي التنجيز والتعليق وحكم الضمان يتفق مرة ويختلف أخرى وسنذكر تفصيل هذه الجملة في فصل الاكراه على الاعتاق وإنما نذكر ههنا حكم جواز التطليق المنجز فنقول إذا جاز طلاق المكره فإن كان قبل الدخول بها يجب عليه نصف المفروض إن كان المهر مفروضا والمتعة إذا لم يكن مفروضا لان هذا حكم الطلاق قبل الدخول ويرجع به على المكره لأنه هو الذي دفعه إلى مباشرة سببه وهو الطلاق فكان قرار الضمان عليه وإذا كان بعد الدخول بها يجب عليه كمال المهر ولا سبيل له على المكره لان المهر يتأكد باستيفاء منفعة البضع على وجه لا يحتمل السقوط وهو الذي استوفى المبدل باختياره فعليه تسليم البدل والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك إذا كان الاكراه ناقصا لا سبيل على المكره لأنه لا يخل باختيار المكره أصلا على ما مر هذا إذا كان الاكراه على الطلاق فاما إذا كان الاكراه على التوكيل بالطلاق ففعله الوكيل فحكمه يذكر في فصل الاكراه على الاعتاق إن شاء الله تعالى وأما العتاق فلما روى أن رجلا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال علمني عملا يدخلني الجنة فقال أعتق النسمة وفك الرقبة فقال أوليسا واحدا فقال عليه الصلاة والسلام لا عتق النسمة ان تفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين في عتقها وغيره من الأحاديث التي فيها الندب إلى الاعتاق من غير فصل بين المكره والطائع ولان الاعتاق تصرف قولي فلا يؤثر فيه الاكراه كالطلاق ثم لا يخلوا اما إن كان على تنجيز العتق أو على تعليقه بشرط أو على شرط العتق المعلق به أما إذا كان الاكراه على تنجيز العتق فاعتق يضمن المكره قيمة العبد موسرا كان أو معسرا ولا يرجع المكره على العبد بالضمان ولا سعاية على العبد والولاء لمولاه أما وجوب الضمان على المكره فلان العبد آدمي هو مال والاعتاق اتلاف المالية والأموال مضمونة على المكره بالاتلاف فكان الضمان على المكره كما في سائر الأموال ويستوى فيه يساره واعساره
(١٨٢)