(وجه) قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عفوت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وعفو الشئ عفو عن موجبه فكان موجب المستكره عليه معفوا بظاهر الحديث ولان القاتل هو المكره من حيث المعنى وإنما الموجود من المكره صورة القتل فأشبه الآلة إذ القتل مما يمكن اكتسابه بآلة الغير كاتلاف المال ثم المتلف هو المكره حتى كان الضمان عليه فكذا القاتل ألا ترى انه إذا أكره على قطع يد نفسه له أن يقتص من المكره ولو كان القاطع حقيقة لما اقتص ولان معنى الحياة أمر لابد منه في باب القصاص قال الله تعالى ولكم من القصاص حياة ومعنى الحياة شرعا واستيفاء لا يحصل بشرع القصاص في حق المكره واستيفائه منه على ما مر في مسائل الخلاف لذلك وجب على المكره دون المكره وإن كان الاكراه ناقصا وجب القصاص على المكره بلا خلاف لان الاكراه الناقص يسلب الاختيار أصلا فلا يمنع وجوب القصاص وكذلك لو كان المكره صبيا أو معتوها يعقل ما أمره به فالقصاص على المكره عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لما ذكرنا ولو كان الصبي المكره يعقل وهو مطاع أو بالغ مختلط العقل وهو مسلط لا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية لان عمد الصبي خطأ ولو قال المكره على قتله للمكره اقتلني من غير اكراه فقتله لا قصاص عليه عند أصحابنا الثلاثة لأنه لو قتله من غير اذن لا يجب عليه فهذا أولى وعند زفر يجب عليه القصاص وكذا لا قصاص على المكره عندنا وفى وجوب الدية روايتان وموضع المسألة كتاب الديات ومن الأحكام التي تتعلق بالاكراه على القتل أن المكره على قتل مورثه لا يحرم الميراث عند أصحابنا الثلاثة لما ذكرنا أن الموجود من المكره صورة القتل لا حقيقة بل هو في معنى الآلة فكان القتل مضافا إلى المكره ولأنه قتل لا يتعلق به وجوب القصاص ولا وجوب الكفارة فلا يوجب حرمان الميراث وعلى قياس قول زفر والشافعي رحمهما الله يحرم الميراث لأنه يتعلق به وجوب القصاص (وأما) المكره فيحرم الميراث عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي رضي الله عنهم لوجوب القصاص عليه وعند أبي يوسف وزفر رحمهما الله لا يحرم لانعدام وجوب القصاص عليه والكفارة والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان المكره بالغا فإن كان صبيا وهو وارث المقتول لا يحرم الميراث لان من شرط كون القتل جاز ما أن يكون حراما وفعل الصبي لا يوصف بالحرمة ولهذا إذا قتله بيد نفسه لا يحرم فإذا قتله بيد غيره أولى وكذلك المكره على قطع يد انسان إذا قطع فهو على الاختلاف الذي ذكرنا في القتل غير أن صاحب اليد إذا كان اذن للمكره بقطع يده من غير اكراه فقطع لا ضمان على أحد وفى باب القتل إذا أذن لمكره على قتله المكره بالقتل فقتل فهو اختلاف الرواية في وجوب الدية على المكره والله سبحانه وتعالى أعلم والفرق ان الأطراف يسلك بها مسلك الأموال في بعض الأحوال والاذن باتلاف المال المحض مبيح فالاذن باتلاف ماله حكم المال في الجملة يورث شبهة الإباحة فيمنع وجوب الضمان بخلاف النفس يدل على التفرقة بينهما انه إذا قال له لتقطعن يدك والا لأقتلنك كان في سعة من ذلك ولا يسعه ذلك في النفس والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) المكره على الزنا فقد كان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا إذا أكره الرجل على الزنا يجب عليه الحد وهو القياس لان الزنا من الرجل لا يتحقق الا بانتشار الآلة والاكراه لا يؤثر فيه فكان طائعا في الزنا فكان عليه الحد ثم رجع وقال إذا كان الاكراه من السلطان لا يجب بناء على أن الاكراه لا يتحقق الا من السلطان عنده وعندهما يتحقق من السلطان وغيره فإذا جاء من غير السلطان ما يجئ من السلطان لا يجب والفرق لأبي حنيفة ما ذكرنا من قبل ان المكره يلحقه الغوث إذا كان الاكراه من غير السلطان ولا يجد غوثا إذا كان الاكراه منه (وأما) قوله إن الزنا لا يتحقق الا بانتشار الآلة فنعم لكن ليس كل من تنشر آلته يفعل فكان فعله بناء على اكراهه فيعمل فيه لضرورته مدفوعا إليه خوفا من القتل فيمنع وجوب الحد ولكن يجب العقر على المكره لان الزنا في دار الاسلام لا يخلو عن احدى الغرامتين وإنما وجب العقر على المكره دون المكره لان الزنا مما لا يتصور تحصيله بآلة غيره والأصل ان كل مالا يتصور تحصيله بآلة الغير فضمانه على المكره وما يتصور تحصيله
(١٨٠)