اعتاق المشترى لأنه لا يخلو اما إن كانت الإجازة من المشترى أو من البائع فإن كانت من المشترى نفذ اعتاق البائع لان إجازة المشترى لم تعمل في جانب البائع فبقي البائع على خياره فإذا أعتق نفذ اعتاقه وبطل اعتاق المشترى لأنه أبطل خياره بالإجازة وإن كانت الإجازة من البائع فتنفيذ اعتاقه أولى أيضا لما ذكرنا من الوجهين في اكراه المشترى لو أجاز البائع البيع ثم أعتق المشترى ثم أعتق البائع بعده نفذ اعتاق المشترى ولزمه الثمن ولا ينفذ اعتاق البائع أما نفوذ اعتاق المشترى فلبقاء الخيار له وأما عدم نفوذ اعتاق البائع فلسقوط خياره بالإجازة (وأما) لزوم الثمن المشترى فللزوم البيع في الجانبين جميعا والله سبحانه وتعالى أعلم ويستوى أيضا في باب البيع والشراء الاكراه التام والناقص لان كل ذلك يفوت الرضا ويستوى في الاكراه على البائع تسمية المشترى وترك التسمية حتى يفسد البيع في الحالين جميعا لان غرض المكره في الحالين جميعا واحد وهو إزالة ملك البائع وذلك يحصل بالبيع من أي انسان كل ولو أوعده بضرب سوط أو الحبس يوما أو القيد يوما فليس ذلك من الاكراه في شئ لان ذلك لا يغير حال المكره عما كان عليه من قبل هذا إذا ورد الاكراه على البيع والتسليم فأما إذا وره على التوكيل بالبيع والتسليم فباع الوكيل وسلم وهو طائع والمبيع عبده فمولى العبد بالخيار ان شاء ضمن المكره وان شاء ضمن الوكيل أو المشترى فان ضمن الوكيل رجع على المشترى وان ضمن المشترى لا يرجع على أحد أما ولاية تضمين المكره فلان الاكراه على التوكيل بالبيع اكراه على البيع لكن بواسطة التوكيل لان التوكيل بالبيع تسبيب إلى إزالة اليد وانه اتلاف معنى فكان التلف بهذه الواسطة مضافا إلى المكره فكان له ولاية تضمين المكره وأما تضمين الوكيل فلانه قبض ماله بغير رضاه وكذلك المشترى وقبض مال الانسان بغير رضاه سبب لوجوب الضمان فكان له ولاية تضمين أيهما شاء فان ضمن الوكيل يرجع عن المشترى بقيمة العبد لأنه لما أدى الضمان فقد نزل منزلة البائع فيملك تضمينه كالبائع ولكن لا ينفذ ذلك البيع بأداء الضمان لأنه ما ملكه بأداء الضمان لأنه لم يبعه لنفسه بل لغيره وهو المالك فيقف نفاذه على إجازة من وقع له العقد وهو المالك لا على فعل يوجد منه وهو أداء الضمان وهذا بخلاف ما إذا باع الغاصب المغصوب ثم أدى الضمان أنه ينفذ بيعه لان هناك باعه لنفسه لا لغيره وهو المالك لأنه ملكه بأداء الضمان فجاز وقوفه على فعله وهو أداء الضمان وجاز وقوفه على فعل مالكه أيضا قبل أداء الضمان لان الغاصب إنما يملكه بأداء الضمان ومن الجائز أن لا يختار المالك الضمان فلا يملكه الغاصب لذلك وقف على إجازة المالك وان اختار تضمين المشترى لا يرجع المشترى على أحد لان القيمة بدل المبيع وقد سلم له المبدل ثم إن كان البائع قبض الثمن من المشترى يسترده منه وإن كان لم يقبضه فلا شئ والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان كالاكراه تاما فإن كان ناقصا لا يرجع المكره بالضمان على المكره لان الاكراه الناقص لا يوجب نسبة الاتلاف إليه على ما بينا ولكنه يرجع إلى الوكيل أو المشترى لما بينا والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الاكراه على الهبة فيوجب فسادها كالاكراه على البيع حتى أنه لو وهب مكرها وسلم مكرها ثبت الملك كما في البيع الا انهما يفترقان من وجه وهو ان في باب البيع إذا باع مكرها وسلم طائعا يجوز البيع وفى باب الهبة مكرها لا يجوز سواء سلم مكرها أو طائعا وقد بينا الفرق بينهما فيما تقدم وكذلك تسليم الشفعة من هذا القبيل أنه لا يصح مع الاكراه لان الشفعة في معنى البيع ألا ترى انه لا يتعلق صحته باللسان كالبيع حتى تبطل الشفعة بالسكون فأشبه البيع ثم البيع يعمل عليه الاكراه فكذلك تسليم الشفعة ومن هذا القبيل الاكراه على الابراء عن الحقوق لان الابراء فيه معنى التمليك ولهذا لا يحتمل التعليق بالشرط ولا يصح في المجهول كالبيع ثم البيع يعمل عليه الاكراه فكذلك الابراء عن الكفالة بالنفس ابراء عن حق المطالبة بتسليم النفس الذي هو وسيلة المال فكان ملحقا بالبيع الذي هو تمليك المال فيعمل عليه الاكراه كما يعمل على البيع والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان الاكراه على الانشاء فأما إذا كان على الاقرار فيمنع صحة الاقرار سواء كان المقر به محتملا للفسخ أو لم يكن لان الاقرار اخبار وصحة الاخبار عن الماضي بوجود المخبر به سابقا على الاخبار والمخبر به ههنا يحتمل الوجود والعدم وإنما يترجح جنبة الوجود على جنبة العدم
(١٨٩)